ويقرر الزجاج أن هناك ترابطا بين الإعراب والمعنى حيث قال: «إنما نذكر مع الإعراب المعنى والتفسير لأن كتاب الله ينبغي أن يبيّن، ألا ترى أن الله يقول:
أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ (١) فحضضنا على التدبر والنظر، ولكن لا ينبغي لأحد أن يتكلم إلا على مذهب أهل اللغة أو ما يوافق نقلة أهل العلم»
(٢).
ويعنى الزجاج في كتابه القراءات القرآنية، معتمدا في ذلك على كتاب أبي عبيد القاسم بن سلّام (ت ٢٢٤ هـ) في القراءات، قال: «وأكثر ما أرويه من القراءة في كتابنا هذا فهو عن أبي عبيد، مما رواه إسماعيل بن إسحاق، عن أبي عبد الرحمن، عن أبي عبيد» (٣).
ويبدو أن هذا المنحى في تفسير القرآن الكريم أصابه بعد الزجاج تطور أخرجه من دائرة التفسير إلى ميدان النحو، فالزجاج كان قد عنون كتابه (معاني القرآن وإعرابه)، ثم جاء أبو جعفر النحاس (أحمد بن محمد ت ٣٣٨ هـ) بعد الزجاج وفصل بين معاني القرآن وإعراب القرآن، فألف كتابا في (معاني القرآن) وآخر في (إعراب القرآن)، فظهرت بعدئذ كتب إعراب القرآن التي تعنى بالناحية الإعرابية والوجوه النحوية، دون الاهتمام بالتفسير والمعنى، كما يظهر ذلك جليا في كتاب (مشكل إعراب القرآن) لمكي بن أبي طالب القيسي (ت ٤٣٧ هـ) وكتاب (البيان في غريب إعراب القرآن) لأبي البركات الأنباري (ت ٥٧٧ هـ)، وكتاب (التبيان في إعراب القرآن) لأبي البقاء عبد الله بن الحسين العكبري (ت ٦١٦ هـ).
ولا يعني ذلك أن اهتمام المفسرين بالناحية اللغوية والإعرابية لآيات القرآن قد اختفى من كتب التفسير، فالمعرفة اللغوية والنحوية من أدوات المفسر الضرورية، لكن هذه الناحية لم تعد سمة بارزة في تفاسير القرآن الكريم، وقد

(١) في سورة النساء آية ٢٨، وسورة محمد آية ٢٤.
(٢) معاني القرآن وإعرابه ١/ ١٦١.
(٣) المصدر نفسه ١/ ١٥٧.


الصفحة التالية
Icon