والرازي حين بدأ بتفسير سورة الفاتحة أطال الكلام فيها كثيرا، وأورد في تفسيرها من المسائل والفوائد الشيء الكثير، لكنه عاد حين أخذ في تفسير سورة البقرة إلى المنهج المعروف في التفسير الذي يدور على ألفاظ وعبارات الآيات القرآنية بشكل مباشر، ومع ذلك فإن تفسير الرازي يعد من التفاسير المطولة، لكثرة المسائل التي يثيرها الرازي وهو يفسر آيات القرآن.
وأكثر الرازي في تفسيره من إيراد قضايا علم الكلام ومسائل العقيدة، لأنه يعتقد أن هذا العلم من أشرف العلوم، بسبب اتصاله بالله الخالق، سبحانه وتعالى، لأنه لا طريق، في رأيه، إلى معرفة الله تعالى إلا بالنظر والاستدلال.
والناظر في هذا التفسير يجد نفسه أمام منهج عقلي يقوم على ما امتاز به الرازي من غزارة في العلم وقوة في الحجة. وهذا الاتجاه العقلي عند الرازي في تفسيره لا يعني أنه كان يفضل ثمرات العقول على صحيح المنقول، فإنه كان إذا ثبت النقل فسر الآية به، ولم يعدل عنه إلى غيره، فالمقصود بالمنهج العقلي عند الرازي هو تفسير القرآن الكريم فيما لم يرد فيه نص، لأن النقل إذا ثبت عن رسول الله ﷺ كان وحيا من الله تعالى، قاطعا في معناه، غير مخالف لما تؤدي إليه العقول، لأن النقل الصحيح لا يخالف العقل الصريح، لأنهما صادران من مبدع واحد، فمن المحال أن يتعارضا تعارضا حقيقيا (١).
والرازي في تفسيره يهتم بكثير من القضايا ذات الصبغة العامة، فهو يكثر من الاستطراد إلى العلوم الرياضية والطبيعية، عند تفسير الآيات الكونية، ويناقش مسائل العقيدة كلما سنحت الفرصة لذلك، وهو لا يكاد يمر بآية من آيات الأحكام إلا يذكر مذاهب الفقهاء فيها، ويستطرد كذلك إلى ذكر المسائل الأصولية والنحوية والبلاغية، ومؤكدا على مظاهر ووجوه إعجاز القرآن، وبالجملة فالكتاب أشبه بموسوعة في التفسير وعلم الكلام وعلوم الكون والطبيعة (٢).

(١) ينظر: المصدر السابق ص ٦٧ وما بعدها.
(٢) ينظر: محمد حسين الذهبي: التفسير والمفسرون ١/ ٢٩٤.


الصفحة التالية
Icon