العمل من مبدئه، وأصبح معتمدا على المصادر التي كان الأستاذ الإمام يأخذ منه ويترك حسب منهجه العلمي- بدأ هواه الأول للعلوم النقلية الأثرية يعاوده ويأخذ به فمال إليها، وتتبع رجالها الأولين مثل الطبري والآخرين مثل ابن كثير، فبدت على التفسير مسحة أثرية ما كانت بادية على أجزائه الخمسة الأولى» (١).
كان ذلك الموقف من التفسير المأثور يواجه في الواقع النزعة الخرافية الشائعة التي تسيطر على العقلية العامة في تلك الفترة، كما يواجه سيل الأساطير والإسرائيليات التي حشيت بها بعض كتب التفسير في الوقت الذي وصلت فيه الفتنة بالعلم الحديث إلى ذروتها.
ومواجهة ضغط الخرافة من جهة وضغط الفتنة بالعلم من جهة أخرى لا يمكن أن يتم بمواجهة النصوص القرآنية بمقررات عقلية سابقة، ثم يفسر القرآن في ضوئها، بل ينبغي أن نواجه هذه النصوص لنتلقى منها تصوراتنا ومواقفنا، ومن ثم لا يصح أن يقال إن مدلول هذا النص يصطدم مع العقل، فلا بد من تأويله! وليس معنى ذلك هو الاستسلام للخرافة، ولكن معناه أن العقل ليس هو الحكم في مقررات القرآن وإنما يكون دور العقل التلقي والتفهم الواعي لما يقوله ويبيّنه القرآن (٢).
وفهم آيات القرآن في عصرنا يجب ألّا يكون بمعزل عن فهم السلف لها، فالتفسير المأثور إذا ثبت عن رسول الله ﷺ فهو مقدم على كل شيء، بل حجة متبعة لا تسوغ مخالفتها لشيء آخر، ولا أظن أن المتحاملين على التفسير المأثور يقصدون هذا النوع أبدا، والتفسير المأثور عن الصحابة مقدم على غيره، فإنه إما أن يكون مسموعا عن النبي ﷺ وإما أن يعبر فيه الصحابي عن مناسبة النزول، أو يبين معنى الآية، مما يلزم المفسر للقرآن الإفادة منه. وكذلك يمكن

(١) التفسير ورجاله ص ٢٥٣.
(٢) ينظر: سيد قطب: في ظلال القرآن ٣٠/ ٣٩٧٦ - ٣٩٧٩.


الصفحة التالية
Icon