وتفسيره، والمتشابه ما لم يكن لأحد إلى علمه سبيل، مما استأثر الله بعلمه دون خلقه، والراسخون في العلم يقولون: آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا (٧) لا يعلمون ذلك، ولكن فضل علمهم في ذلك على غيرهم: العلم بأن الله هو العالم بذلك دون سواه من خلقه (١).
وعلى هذا النحو فهم علماء السلف الآية الكريمة السابقة، فقال عبيدة بن عمرو السلماني (ت ٧٢ هـ) وهو من تابعي أهل الكوفة، وأحد تلامذة عبد الله بن مسعود: من أين يعلمون تأويله؟ وإنما انتهى علم الراسخين إلى أن قالوا:
آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا (٢). وسئل الإمام مالك بن أنس (ت ١٧٩ هـ) عن قوله تعالى: وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ أيعلم تأويله الراسخون في العلم؟ قال: لا، وإنما معنى ذلك أن قال: وما يعلم تأويله إلا الله، ثم أخبر فقال: والراسخون في العلم يقولون: آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا وليس يعلمون تأويله (٣).
وقد ذهب الأكثرون من الصحابة والتابعين وأتباعهم وجمهور العلماء من بعدهم إلى أن الراسخين في العلم لا يعلمون تأويل المتشابه (٤)، ويدل على ذلك أمور منها (٥):
١ - ما أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما، عن عائشة، رضي الله عنها، قال: تلا

(١) جامع البيان ٣/ ١٧١.
(٢) الحارث المحاسبي: فهم القرآن ص ٣٢٩.
(٣) المصدر نفسه ص ٣٣٠.
(٤) روي عن مجاهد بن جبر المكي (ت ١٠٢ هـ) وقتادة بن دعامة السدوسي (ت ١١٨ هـ) أنهما يذهبان إلى أن الراسخين في العلم يعلمون تأويل المتشابه، ولكنهما يفسران المتشابه بغير ما فسّره به الجمهور، فعند مجاهد هو الآيات التي يصدّق بعضها بعضها (ينظر: ابن حجر: فتح الباري ٨/ ٢٠٩)، وعند قتادة هو المنسوخ من آي القرآن (ينظر: الحارث المحاسبي: فهم القرآن ص ٣٢٩).
(٥) ينظر: السيوطي: الإتقان ٣/ ٥ - ٨.


الصفحة التالية
Icon