وقد أشارت الآية السابقة إلى أن ما أوحاه الله إلى النبي محمد ﷺ هو من جنس ما أوحاه إلى الأنبياء السابقين وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً (٥٢) [الشورى]،
وقد أكدت هذا المعنى آيات أخرى، منها قوله تعالى:* إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ... (١٦٣) [النساء].
وقد سمّي نزول جبريل عليه السّلام بالقرآن على رسول الله ﷺ وحيا لأنه أسرّه على الخلق، وخصّ به النبيّ المبعوث إليه (١). فلم يكن الصحابة يرون الملك وقت نزوله بالقرآن، مع أنهم شاهدوا آثار نزوله.
ولا شك في أن الوحي من الغيب الذي لا يعرف بالحواس ولا يدرك بالعقل المجرد، ومن ثم فإن القول في حقيقته وكيفيته يتوقف على ما ورد عنه في القرآن الكريم والسنة النبوية المشرفة، وقد جاء في عدد من الأحاديث والآثار وصف لحالة النبي ﷺ وقت نزول جبريل ٥ بالقرآن، منها ما يتعلق بالجانب الخفي من الوحي، ومنها ما يتعلق بآثاره الظاهرة التي لاحظها الصحابة، رضي الله عنهم.
أما الجانب الخفي من الوحي فقد سأل الصحابة عنه رسول الله ﷺ فقال عبد الله بن عمرو: «سألت النبي ﷺ فقلت: يا رسول الله: هل تحسّ بالوحي؟
قال: نعم، أسمع صلصلة، ثم أسكت عند ذلك» (٢).
وروى البخاري «عن عائشة أم المؤمنين، رضي الله عنها، أن الحارث بن هشام، رضي الله عنه، سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، كيف يأتيك الوحي؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أحيانا يأتيني مثل صلصلة الجرس، وهو أشدّه عليّ، فيفصم عني وقد وعيت ما قال، وأحيانا يتمثّل لي الملك رجلا فيكلمني فأعي ما يقول» (٣).
(٢) قال الهيثمي (مجمع الزوائد ٨/ ٢٥٦): رواه أحمد والطبراني، وإسناده حسن.
(٣) صحيح البخاري ١/ ٤، والترمذي: كتاب السنن ٥/ ٥٥٨.