الطريق، ويتكفل له بالحفظ المطلق للقرآن، وينهاه عن تلك العجلة، قال الله تعالى: وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً (١١٣) فَتَعالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً (١١٤) [طه].
وجاءت آيات أخرى تؤكد أن حفظ القرآن مكفول للنبي ﷺ وهي قوله تعالى: لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (١٦) إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (١٧) فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (١٨) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ (١٩) [القيامة].
وقد روى البخاري في صحيحه تفسيرا لهذه الآيات عن عبد الله بن عباس، رضي الله عنهما، جاء فيه: إن رسول الله ﷺ كان يعالج من التنزيل شدّة، وكان مما يحرك به لسانه وشفتيه، يخشى أن ينفلت منه، فأنزل الله لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (١٦) إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (١٧) جمعه: أن نجمعه في صدرك (أي أن تحفظه) وقرآنه: أن تقرأه. فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (١٨): فإذا أنزلناه فاستمع وأنصت. ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ (١٩): ثم إن علينا أن نبيّنه بلسانك، فكان رسول الله ﷺ بعد ذلك إذا أتاه جبريل استمع، فإذا انطلق جبريل قرأه النبي ﷺ كما قرأه جبريل (١).
وهذه الآيات الكريمة تؤكد أمرا هامّا، هو تكفّل الله المطلق بشأن القرآن، وحيا وحفظا وجمعا وبيانا، وإسناده إليه- سبحانه- بكليته، فليس للرسول ﷺ من أمره إلا وعيه وحفظه وتبليغه، بعد أن أعطاه الله ملكة تامة للحفظ، فصار إذا أتاه جبريل استمع، فإذا ذهب جبريل قرأه كما قرأه عليه جبريل، يحفظ السورة الطويلة كما يحفظ السورة القصيرة، وليس هناك فرصة لنسيان شيء منه أو ضياعه.
وإلى جانب هذا الاستعداد الدائم الذي خص الله به النبي ﷺ لحفظ القرآن، فإن جبريل عليه السّلام كان يدارسه ما نزل عليه من القرآن في كل مرة، كما في الحديث

(١) صحيح البخاري ١/ ٦ و ٦/ ٢٠٢، وابن سعد: الطبقات الكبرى ١/ ١٩٨.


الصفحة التالية
Icon