مقدمة
الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين، أما بعد:فإن القرآن الكريم هو كلام الله تعالى، أنزله على رسوله سيدنا محمد ﷺ لهداية البشرية إلى الدين القويم، فقرأه على الناس، ودعاهم إليه، وعلّمه لصحابته الذين آمنوا بدعوته، فحفظوه في الصدور، ودوّنوه في السطور، وعاشوا يهتدون بهديه، ويقتبسون من نوره، ويعملون بأحكامه، ويتخلّقون بآدابه، حتى تحقّق فيهم قول الله تعالى: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتابِ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفاسِقُونَ (١١٠) [آل عمران].
ولا شك في أن الوقوف على تأريخ القرآن وعلومه يكشف عن حقيقة هذا الكتاب ومصدره، ويبيّن كيفية كتابته وجمعه، وقراءته، وتفهّم معانيه، ويوضح جهود علماء الأمة من لدن عصر الصحابة في حفظ النص القرآني وصيانته وتيسير تلاوته ومعرفة معانيه، تلك الجهود التي يتبين للمتأمل من خلالها سرّ الخلود لهذا الكتاب العظيم الذي تكفل الله تعالى بحفظه بقوله: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ (٩) [الحجر].
وكان علماء الأمة قد كتبوا في علوم القرآن وفي المباحث المتصلة بتأريخه، منذ بدء عصر تدوين العلوم الإسلامية إلى زماننا، مئات الكتب التي يعجز المرء غير المتخصص عن الوقوف على كثير منها، أو الاستفادة منها، لما كانت تتّسم به من التفصيل والشمول الذي لا يحتاج إلى كثير منه القارئ في هذا العصر، كما أن أسلوب كتابتها لم يعد مألوفا لدى كثير من قراء زماننا الذين ضعفت صلتهم بكتب التراث.
ومن هنا كانت الحاجة تدعو إلى تقديم خلاصة تلك المباحث إلى القراء