فيها عدد من كبار الصحابة المهاجرين والأنصار، كان من بينهم نحو خمسين من حملة القرآن (١).
وكانت هذه الأحداث، وما رافقها من مقتل عدد كبير من الصحابة من حفاظ القرآن، من أهم العوامل التي جعلت عددا من الصحابة يفكرون في ضرورة جمع القرآن في صحائف موحدة، بدل تلك القطع المتفرقة، خشية أن يقتل عدد آخر من حفاظ القرآن من الصحابة، أو أن تذهب تلك القطع التي كتب عليها، فيتعرض القرآن إلى ضياع
شيء منه أو نسيانه، وكانت حرب اليمامة ونتائجها السبب المباشر الذي وضع تلك الفكرة موضع التنفيذ.
وكان عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، قد أحزنه مقتل الصحابة في اليمامة، لا سيما أخوه زيد بن الخطاب، وأقلقه مقتل الحفاظ منهم، مثل سالم بن معقل مولى أبي حذيفة، وهو من أشهر حفاظ القرآن، فجاء إلى الخليفة الصديق وقال له: إن أصحاب رسول الله ﷺ تهافتوا يوم اليمامة تهافت الفراش في النار، وإن القتل استحرّ بأهل اليمامة من قراء المسلمين، وإني أخشى أن يستحرّ القتل بالقراء في المواطن، فيذهب كثير من القراء، وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن (٢).
ولم تلق الفكرة في بدء الأمر موافقة الخليفة الصديق، الذي كان شديد الحرص ألّا يعمل عملا لم يعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن المراجعة التي حصلت بعد عرض الفكرة أدت إلى اقتناع الخليفة بها وتكليف زيد بن ثابت بالقيام بأعبائها.
ثانيا- كيفية جمع القرآن:
نقلت كتب الحديث والتاريخ تفاصيل عملية جمع القرآن في الصحف، من القطع التي كتبت في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد روى البخاري وغيره، عن محمد
(٢) ينظر: الطبري: جامع البيان ١/ ٢٦، والطبراني: المعجم الكبير ٥/ ١٣٠.