وقد أتاحت حركة الفتوح أن يلتقي المسلمون من التابعين تلامذة الصحابة، رضي الله عنهم، وكانوا من قبائل شتى وفيهم العربي وغير العربي، وكانوا يتدارسون القرآن، وكان كل واحد يقرؤه على نحو ما تعلمه من الصحابي، فتراجعوا في بعض وجوه القراءات، وادّعى بعضهم أن قراءته أصح من قراءة غيره.
وكانت مظاهر تلك الحالة أشد وضوحا في خلافة عثمان بن عفان، رضي الله عنه، وتنقل الروايات التاريخية صورا متعددة لذلك الاختلاف في القراءة، فمن ميادين القتال إلى ميادين التعليم (١). وتكاثرت أخبار ذلك الاختلاف ووصلت إلى مسامع الخليفة في المدينة، ومعه كبار الصحابة، مما جعلهم يفكرون في الوسائل التي يمكن أن تحافظ على النص القرآني وتمنع وقوع الاختلاف فيه.
وكانت كتابة القرآن في الأمصار تعتمد على قراءات الصحابة الذين نزلوا فيها، فكان أهل الكوفة يكتبون مصاحفهم على قراءة عبد الله بن مسعود (٢)، وكان أهل دمشق قد كتبوا مصحفهم على قراءة أبي الدرداء (٣)، وهكذا في بقية الأمصار، وكانت تلك المصاحف تعكس الاختلاف الذي ظهر في القراءة، وكانت تعتمد على الجهد الفردي في الغالب، ولم يتوافر لشيء منها ما كان قد توافر للصحف التي جمع فيها زيد بن ثابت القرآن في خلافة أبي بكر الصديق.
قال ابن عطية: «وانتشرت في خلال ذلك صحف في الآفاق كتبت عن الصحابة، كمصحف ابن مسعود، وما كتب عن الصحابة بالشام، ومصحف أبيّ، وغير ذلك، وكان في ذلك اختلاف حسب الأحرف السبعة التي أنزل القرآن عليها» (٤).
برزت إذن بشكل واضح مشكلة اختلاف المسلمين في قراءة القرآن ووجود

(١) ينظر الطبري: جامع البيان ١/ ٢٧، وابن أبي داود: كتاب المصاحف ص ١٢ - ١٤.
(٢) ابن أبي داود: كتاب المصاحف ص ١٣٧.
(٣) المصدر نفسه ص ١٥٥.
(٤) المحرر الوجيز ١/ ٦٥.


الصفحة التالية
Icon