مصاحف متعددة غير موحدة بسبب اختلاف القراءات، وربما بسبب تفاوت الحفظ وتباين الدقة في الكتابة. وكانت هذه المشكلة موضع اهتمام الخليفة الثالث عثمان، وألهمه الله تعالى القيام بعمل عظيم جمع الأمة على المصحف الذي كتبه زيد بن ثابت من الرقاع التي كتبت بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثانيا- نسخ الصحف في المصاحف:
قرر عثمان بن عفان، رضي الله عنه، جمع المسلمين على مصحف موحد في رسمه وترتيبه، يعتمد على قراءة واحدة، وهي القراءة العامة التي كان الصحابة يقرءون بها في المدينة، والتي كتب زيد بن ثابت القرآن بها زمن النبي ﷺ وجمعه في الصحف في خلافة الصديق. وكان أول ما بدأ به الخليفة الثالث لتحقيق ذلك العمل العظيم هو استشارة الصحابة الذين في المدينة، في جمع الناس على مصحف واحد، فقالوا: نعم ما رأيت (١).
والرواية المشهورة التي تحكي خطوات ذلك العمل الكبير هي التي رواها كثير من المحدّثين والمؤرخين (٢)، ونص هذه الرواية كما نقلها البخاري عن أنس ابن مالك هو: «إن حذيفة بن اليمان قدم على عثمان، وكان يغازي أهل الشام في فتح أرمينية وأذربيجان مع أهل العراق، فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة، فقال حذيفة لعثمان: يا
أمير المؤمنين، أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى، فأرسل عثمان إلى حفصة أن أرسلي إلينا بالصحف، ننسخها في المصاحف، ثم نردها إليك، فأرسلت بها حفصة إلى عثمان.
فأمر زيد بن ثابت، وعبد الله بن الزبير، وسعيد بن العاص، وعبد الرحمن

(١) ابن أبي داود: المصاحف ص ٢٢.
(٢) الترمذي: كتاب السنن ٥/ ٢٦٥، وابن أبي داود: كتاب المصاحف ص ١٨، وابن النديم:
الفهرست ص ٢٧، والداني: المقنع، وابن الأثير: الكامل ٣/ ٥٥، والزركشي: البرهان ١/ ٢٣٦، والسيوطي: الإتقان ١/ ١٦٩.


الصفحة التالية
Icon