فاتحة الكتاب، فلولا أنه ﷺ أمر أصحابه بأن يرتبوا سور المصحف هذا الترتيب لما كان لتسميته هذه السورة فاتحة الكتاب معنى، إذ قد ثبت الإجماع أن هذه السورة ليست أول سور القرآن نزولا، فثبت أنها فاتحته نظما وترتيبا وتلاوة (١).
ومن ذلك أيضا ما روي عن أم المؤمنين عائشة، رضي الله عنها، قالت:
كان رسول الله ﷺ يقوم الليلة التمام، فيقرأ البقرة، وآل عمران، والنساء، لا يمر بآية فيها استبشار إلا دعا ورغب، ولا يمر بآية فيها تخويف إلا دعا واستعاذ (٢).
وكذلك ما رواه البخاري عن عبد الله بن مسعود أنه قال: وهو يتحدث عن سورة الإسراء، والكهف، ومريم، وطه، والأنبياء: إنهن من العتاق الأول، وهن من تلادي (٣). فقد جاءت هذه السور في الرواية مرتبة على نحو ما هي عليه في المصحف.
واستدل عدد من العلماء على أن ترتيب السور في المصحف توقيفي بالحديث الذي رواه واثلة بن الأسقع الليثي (٤) عن النبي ﷺ أنه قال: «أعطيت مكان التوراة السبع الطّوال، وأعطيت مكان الزبور المئين، وأعطيت مكان الإنجيل المثاني، وفضّلت بالمفصّل» (٥).
(٢) ابن المبارك: كتاب الزهد ص ٤٢١، وأبو يعلى: المسند ٨/ ٢٥٧.
(٣) الجامع الصحيح ٦/ ٢٢٨. وينظر: ابن حجر: فتح الباري ٩/ ٣٩، والسيوطي: الاتقان ١/ ١٧٨. وقوله: العتاق: جمع عتيق، وهو القديم النفيس من كل شيء. والتلاد: كل مال قديم يورث عن الآباء.
(٤) صحابي من أهل الصفة، يقال إنه خدم النبي ﷺ ثلاث سنين، ومات سنة ٨٥ هـ (ابن عبد البر: الاستيعاب ٤/ ١٥٦٤).
(٥) رواه الإمام أحمد في مسنده ٤/ ١٠٧، والطبري في تفسيره ١/ ٤٤، والطبراني في معجمه الكبير ٢٢/ ٦٢.