المدينة عندها أنزل الله تعالى الفرائض والحدود في أسلوب متمهل مترسل يناسب مخاطبة القلوب المؤمنة.
٤ - تحديد السور المكية والسور المدنية وترتيبها:
لم يعد ممكنا ترتيب القرآن على تواريخ تنزلاته، لطول المدة التي نزل فيها وتعدد مرات نزول الوحي، وتنوع الظروف التي ينزل فيها، وترتيب القرآن في سورة على
نحو آخر غير ترتيب النزول، وقد سأل ابن سيرين عكرمة مولى ابن عباس: ألّفوه الأوّل فالأوّل؟ فقال عكرمة: لو اجتمعت الإنس والجن على أن يؤلفوه ذلك التأليف ما استطاعوا (١). لكن علماء القرآن من الصحابة والتابعين تمكنوا من تحديد السور المكية والسور المدنية وأن يرتبوها ترتيبا تقريبيا حسب أوقات نزولها، معتمدين في ذلك على نزول أول السورة، كما روي عن ابن عباس أنه قال: «كانت إذا نزلت فاتحة سورة بمكة كتبت بمكة، ثم يزيد الله فيها ما يشاء» (٢).
وقد نقل المؤلفون في علوم القرآن عددا من الروايات في ذكر السور المكية والمدنية، منقولة عن الصحابة والتابعين، مثل الرواية المنقولة عن عبد الله بن عباس (٣)، وأبي الشعثاء جابر بن زيد (٤)، والحسن البصري (٥)، وقتادة بن دعامة السدوسي (٦)، ومجاهد بن جبر المكي (٧)، وعلي بن أبي طلحة (٨). وهذه الروايات

(١) ابن الضريس: فضائل القرآن ص ٧٦.
(٢) ابن الضريس: فضائل القرآن ص ٧٣.
(٣) المصدر نفسه، والسيوطي: الاتقان ١/ ٢٦.
(٤) الداني: البيان ص ١٣٣.
(٥) البيهقي: دلائل النبوة ٧/ ١٤٢، والسيوطي: الاتقان ١/ ٢٥.
(٦) الحارث المحاسبي: فهم القرآن ص ٣٩٥.
(٧) ابن النديم: الفهرست ص ٢٨.
(٨) الداني: كتاب البيان ص ١٣٤.


الصفحة التالية
Icon