وإن لم تكن مرسومة في المصحف، فكانوا يعلّمون الناس القرآن ويوقفونهم على رءوس الآي، وقد وضعوا أول الأمر ثلاث نقاط عند رأس الآية (١)، ثم تطورت فصارت دائرة، ثم كتب رقم الآية في داخلها في العصور المتأخرة.
وظهر في المراكز العلمية الخمسة: مكة والمدينة والكوفة والبصرة والشام (دمشق) علماء اشتهروا بمعرفة عدد الآيات، واعتنوا بإحصاء عدد كلمات كل سورة وعدد حروفها، كذلك اعتنوا بتجزئة القرآن ثلاثين جزءا أو ستين أو أكثر من ذلك، وضعوا علامات للخموس والعشور والأجزاء، كرهها الفقهاء في أول الأمر، كما كرهوا النقط والشكل في المصاحف، وكانوا يقولون: جرّدوا القرآن ولا تخلطوا به شيئا، وكرهوا فواتح السور التي يكتب فيها اسم السورة وعدد آياتها ومكية أو مدنية (٢). ثم خفّت
الكراهة وأثبت الخطاطون تلك الزيادات في المصحف، وصار استعمال النقط والشكل في المصاحف لازما صيانة له من اللحن والتحريف.
وألّف علماء القرآن كتبا كثيرة في علم العدد القرآني، ذكر ابن النديم منها قريبا من عشرين كتابا إلى زمن تأليفه كتاب «الفهرست» سنة ٣٧٧ هـ، ويكاد كتاب الدانيّ «البيان في عدّ آي القرآن» يكون أوسع كتاب في هذا الموضوع وأكثر كتبه شهرة، قال في مقدمته: «هذا كتاب عدد آي القرآن وكلمه وحروفه، ومعرفة خموسه وعشوره، ومكيّه ومدنيّه، وبيان ما اختلف فيه أئمة أهل الحجاز والعراق والشام من العدد، وما اتفقوا عليه منه، وما جاء من السّنن والآثار في عدد الآي عن السالفين، وورد من الآثار في العقد بالأصابع عن الماضين، وسائر ما ينتظم بذلك من الأبواب... » (٣).
(٢) ينظر: الداني: المحكم ص ١٠ - ١٥، والسيوطي: الاتقان ٤/ ١٦٠ - ١٦١.
(٣) كتاب البيان ص ١٩.