إن رحلة المصحف الطويلة عبر القرون لم تغيّر من نصه الذي كتبه الصحابة، رضي الله عنهم، حين تلقوه عن رسول الله ﷺ وجمعوه في المصحف ونسخوه في المصاحف، وأنت إذا أخذت أحدث نسخة مطبوعة من المصحف، ثم وازنت بينها وبين إحدى النسخ العتيقة من المصحف المكتوبة على الرقوق، بالخط الكوفي القديم المجرد من العلامات، مما تحتفظ به بعض المكتبات العالمية، لوجدت النص واحدا والتطابق بينهما تامّا، سوى ما يرجع إلى الاختلافات الشكلية التي لا تغير من النص المكتوب ولا من قراءته.
وقد يسّر الله تعالى أسباب حفظ القرآن، كتابة في السطور، وحفظا في الصدور، وتلاوة في الألسنة، وتحقق بذلك وعد الله الحق في حفظ القرآن في قوله تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ (٩) [الحجر]. فالقرآن الكريم معجزة النبي ﷺ الخالدة، وحجة الله تعالى الباقية، هو حبل الله المتين، وهو النور المبين، وهو الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، عصمة لمن اعتصم به، ونجاة لمن تمسك به، لا يعوجّ فيقوّم، ولا يخلق من كثرة الرد، ولا تنقضي عجائبه، من قال به صدّق، ومن عمل به أجر، ومن حكم به عدل، ومن دعا إليه هدى إلى صراط مستقيم (١).
وقد اتفقت كلمة العلماء المدققين، والمستشرقين المنصفين على صحة نقل القرآن وانتهائه بنصه إلى النبي ﷺ على الرغم من أنهم لا يؤمنون أنه من عند الله. وهناك بضع شهادات لكبار العلماء منهم تؤكد أن القرآن هو الكتاب الوحيد في الدنيا الذي بقي نصه محفوظا من التحريف، من بين كتب الديانات جميعا، وأنه لم يتطرق شكّ إلى أصالته، وأن كل حرف نقرؤه اليوم نستطيع أن نثق بأنه لم يقبل أي تغيير من يوم نزوله إلى زماننا (٢).

(١) هذه الأوصاف للقرآن ملخصة من حديثين، أحدهما عن الإمام علي (الترمذي: كتاب السنن ٥/ ١٥٨) والثاني عن عبد الله بن مسعود (الطبراني: المعجم الكبير ٩/ ١٣٠).
(٢) تنظر نصوص تلك الأقوال في كتاب النبي الخاتم للندوي ص ٣٠ - ٣١.


الصفحة التالية
Icon