ونقل رواية أخرى عن ابن مسعود أن رجلا أتاه فقال: أقرأ القرآن بالمفصل في ركعة! فقال: أهذّا كهذّ الشعر، ونثرا كنثر الدّقل؟ (١) ومع ذلك فإن العلماء لا يمنعون من القراءة السريعة مطلقا، وقد نصوا على أن ذلك يختلف باختلاف الأشخاص، كما أنه يختلف لاختلاف حال الشخص في النشاط والضعف والتدبر والغفلة (٢).
المبحث الثاني فضائل التلاوة وآدابها
أولا: فضائل التلاوة:
إن قيمة كل كتاب تعتمد على منزلة مؤلفه وأهمية موضوعه وبلاغة أسلوبه، والقرآن الكريم بلغ أقصى الغايات في ذلك كله، فهو كلام الله تعالى «وفضل كلام الله على سائر الكلام كفضل الله على خلقه» (٣). وموضوعه بيان منهج الله الذي لا تتحقق سعادة البشرية إلا به وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ (٨٥) [آل عمران]، وأسلوبه جاء في أعلى درجات الفصاحة والبلاغة التي أعجزت الفصحاء والبلغاء في جميع العصور.
وبيان فضائل تلاوة القرآن ترتبط بفضل القرآن الكريم ذاته، وقد وصف الله تعالى القرآن في آيات كثيرة بأنه مصدر الهداية للبشرية وسبب الرحمة الإلهية لها، ومن تلك الآيات:

(١) المصدر نفسه ص ٧٧.
(٢) النووي: التبيان ص ٢٧، والزركشي: البرهان ١/ ٤٧١.
(٣) هذا جزء من حديث قدسي رواه الترمذي في سننه (٥/ ١٦٩)، وينظر: ابن حجر: فتح الباري ٩/ ٦٦.


الصفحة التالية
Icon