اختلاف تعقيب الأولى بقوله "فقد افترى إثما عظيما " وتعقيب الثانية "فقد ضل ضلالا بعيدا ".
والجواب: أنه لما وقع قبل الآية الكريمة ذكر أهل الكتاب وذكر اعتدائهم وتحريفهم من لدن قوله تعالى: "ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يشترون الضلالة ويريدون أن تضلوا السبيل " ثم قال بعد هذا: "من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه " وهذا إفصاح بكذبهم وافترائهم ثم أتبع ما ذكر بقوله تعالى: "إن الله لا يغفر أن يشرك به " ناسب ما تقدم من أوصاف الشرك الافتراء الذى هو أخص صفات من كذب من أهل الكتاب من أن المشرك مفتر فقال عز وجل: "ومن يشرك بالله فقد افترى إثما عظيما " ولما لم يتقدم مثل ذلك فى الآية الأخرى إنما تقدم قبلها قوله: "ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى " وقبلها ما يخص منافقى أيام نبينا ـ عليه السلام ـ من لدن قوله تعالى: "إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيما " ثم قال: "ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم....
الآية " فلم يقع فى هذه الآى ذكر تحريف ولا افتراء إنما ذكر منافقو أيامه ـ عليه السلام ـ بنفاقهم وما صدر منهم من غير الكذب والافتراء فناسب ذلك ما بنى عليه من قوله سبحانه: "ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالا بعيدا " كما ناسب قوله فى الأولى "فقد افترى إثما عظيما " ما تقدمه وبنى عليه وجاء كل على ما يجب ولو أعقبت الأولى الثانية والثانية بما أعقبت به الأولى لما ناسب على ما تقدم.
والله أعلم.
الآية التاسعة:
قوله تعالى: "وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا " وفى سورة المائدة: "وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا "،
للسائل أن يسأل عن وجه ما ورد فى هاتين الآيتين من قوله فى الأولى " إلى ما أنزل الله وإلى الرسول " والاكتفاء فى الثانية بقوله " إلى ما أنزل الله " مع استوائهما فى دعاء المخالفين ممن ذكر قبل كل آية منهما إلى متابعة الحق والرجوع إليه.
والجواب أن حال المدعوين مختلف فإن الآية الأولى فى منافق ويهودى تخاصما وتحاكما إلى كعب بن الأشرف ورضيا بحكمه فالمراد بالآية المنافقون لأنهم المظهرون أنهم آمنوا بما أنزل على محمد ﷺ وعلى موسى عليه السلام القائلون ذلك بألسنتهم ولكون ذلك