لم يقدر أن يميل بقلبه إلى كلهن على حال سواء: "فلا تميلوا كل الميل " بل على الإنسان أن يجتهد وفى الحديث عنه عليه السلام: "اللهم هذه قسمتى فيما أملك فلا تلمنى فيما لا أملك "، "فتذروها كالمعلقة " لا ممسكة ولا مطلقة ثم قال تعالى: "وإن تصلحوا وتتقوا " والمراد ما استطعتم وكان فى إمكانكم فإن الله يغفر لكم ما سوى ذلك.
والآية الأولى مقصودها يستدعى ما ختمت به من أنه تعالى خبير بأفعال عباده وأعمالهم الظاهرة والباطنة ومساق هذه الأخرى يستدعى مغفرته تعالى إذ قد عرفت الآية أن العدل لا يستطاع فإن لم تكن المغفرة هلك الملكف فورد أعقاب كل آية بما يناسب وأما ورود "وإن تحسنوا " فى الآية الأولى وورود "وإن تصلحوا " هنا فمفهوم مما تمهد وأنسب شئ والله أعلم.
الآية الثالثة عشرة:
قوله تعالى: "وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته وكان الله واسعا حكيما ولله ما فى السماوات وما فى الأرض ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله وإن تكفروا فإن لله ما فى السماوات وما فى الأرض وكان الله غنيا حميدا ولله ما فى السماوات وما فى الأرض وكفى بالله وكيلا "
للسائل أن يسأل عن وجه اختلاف ما أعقبت به هذه الآى الثلاث من أوصافه العلية سبحانه وتعالى: "وكان الله واسعا حكيما " وفى الثانية: "وكان الله غنيا حميدا " وفى الثالثة: "وكفى بالله وكيلا " يسأل عن ذلك وعن تكرار إخباره تعالى وقوله "ولله ما فى السماوات وما فى الأرض " ثلاث مرات مع تقارب الكلام واتصاله.
والجواب عن الأول: إنه لما قال سبحانه فى الزوجين عند عدم انقيادهما لحسن المعاشرة "وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته " قال الزمخشرى: "يرزقه زوجا خيرا من زوجته وعيشا أهنأ من عيشه " ولما قال "يغن الله كلا من سعته " ناسب هذا ذكر ما يقتضى من صفاته عموم وجوه الإحسان وأنه لا نفاد لما عنده مما به قوام عيشهم وكمال حال كل واحد منهم من الرزق والسكن والتأنيس وأنه سبحانه المنفرد بعلم وجه الحكمة فى تآلفهم فقال "وكان الله واسعا حكيما " أى كثير العطاء جم الإحسان عليم بخفيات مصالح العباد فقوله "وكان الله واسعا حكيما " عقب ما تقدمه من قوله " وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته " أوضح شئ فى المناسبة ثم اتبع بما يلائم ذلك ويزيده وضوحا من إخباره تعالى من أن السماوات والأرض وما فيهما ملكه تعالى فقال "ولله ما فى السماوات وما فى الأرض " ثم أتبع سبحانه أنه بما يرجع إلى عموم


الصفحة التالية
Icon