إلى التوارث فلما كان مبنى السورة على هذا ناسب لك طرف الخير غير مشار إلى ضده الا بالعفو عما وقع بالمكلف فيه فقال تعالى: "إن تبدوا خيرا أو تخفوه أو تعفوا عن سوء " فنوسب بهذا الخصوص خصوص ما تكرر فى السورة بما ذكر من العفو وما يحرزه وفى سورة البقرة: "وأن تعفوا أقرب للتقوى " وذلك فى مثل ما تقدم هنا من أحكام النساء.
وأما آية الأحزاب فمقصود بها ما يعم الطرفين من الخير والشر ألا ترى ما تقدمها من قوله تعالى "وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا " وما تقدم فى هذه السورة من ذكر المنافقين وسوء مرتكبهم فى قصة الأحزاب وقولهم "ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا " وقولهم فى الاستئذان "إن بيوتنا عورة " وكذبهم فى ذلك فحذر الله
المؤمنين من مرتكبات المنافقين وأعلمهم أنه تعالى لا يخفى عليه شئ "سواء منكم من أسر القول ومن جهر به " فقال تعالى "إن تبدوا شيئا أو تخفوه " فلما قصد فى هذه الآية عموم الطرفين ورد بلفظ مطلق يعم الخير والشر فقال تعالى: "إن تبدوا شيئا " والشئ يقع على كل موجود من ذات أو معنى حتى أن بعض المتكلمين يطلقه على المعدوم المقدر الوجود فيقول بشيئة المعدوم وليس هذا من قولنا ولكن الإطلاق حاصل كيفما قيل والشئ المخفى المشار إليه فى الآية إنما هو عمل قلبى موجود بمحله فلا اعتراض علينا به والخير والشر داخلان تحت ذلك وأما لفظ خير فى آية النساء فقد تقدم خصوصه ومناسبته فورد كل على ما يجب ويناسب ولا يمكن فيه العكس.
والجواب عن السؤال الثانى: ان اختلاف جواب الشرط فى الآيتين إنما هو بحسب ما يستدعيه فقوله تعالى فى الأحزاب: "فإن الله كان بكل شئ عليما " يبين الجوابية لقوله تعالى: "إن تبدوا خيرا أو تخقوه " وأم قوله فى آية النساء "فإن الله كان عفوا قديرا " فمنزل على قوله "أو تعفوا عن سوء "فندب سبحانه العباد إلى العفو بمفهوم هذه الكلام بإعلامهم أن تلك سنة فى خلقه من عفوه عن المسئ مع القدرة على أخذه والانتقام منه "ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة " وهذا الجواب لقوله تعالى: "أو تعفوا عن سوء " يفهم جواب الأمرين من إبداء الخير وإخفائه وان ذلك يحبه تعالى ويثيب عليه فقد بان التناسب فى هذا كله فى كل واحد من الشرطين وجوابهما.
والجواب عن السؤال الثالث: ان قوله تعالى: "أو تعفوا عن سوء " من تمام ما