"أحلت لكم بهيمة الأنعام " لأن المراد ببهيمة الأنعام الوحشى، قال القرطبى "بهيمة الأنعام وحشيها " وقال الزمخشرى فى أحد تفسيريه "الظباء وبقر الوحشى " ووجه وقوعها فى آية المائدة أن آية المائدة من آخر ما نزل وقد تضمنت متممات من الأحكام كآية الوضوء والتيمم وتفاصيل الصيد واستيفاء المحرمات من المأكولات والمشروبات على التحرير وأحكام هذه السورة كثيرة ومحكمة غير منسوخه وفيها ورد "اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتى ورضيت لكم الإسلام دينا " فناسب هذا ذكر حلية بهيمة الأنعام إلحاقا لها بالأنعام إذ لم يذكره الله فى غيرها على ما ورد فى تحرير ذلك وبيان العوارض التى قد تحرم لأجلها وذلك قوله تعالى: "حرمت عليكم الميتة والدم " ثم أتبع بقوله: "والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة " لأن هذه العوارض تكثر فى الوحشى لمخالفة حاله فى التذكية وما تحل به الإنسية من الأنعام ثم أتبع ذكر ما يعرض مما ذكر مما وقعت الإشارة بقوله: "إلا ما يتلى عليكم " ثم أشار قوله: "غير محلى الصيد وأنتم حرم " إلى ما أفصح به قوله تعالى: "وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما " فوضح التناسب وإن عكس الوارد فى الآيتين لم يكن ليناسب والله أعلم بما أراد.
الآية الثانية من سورة المائدة:
قوله تعالى: "يبتغون فضلا من ربهم ورضوانا " وفى سورة الفتح: "يبتغون فضلا من الله ورضوانا " وكذا فى سورة الحشر فيسأل عن موجب اختصاص سورة المائدة بما ورد فيها من إضافة اسم الرب تعالى إليهم بخلاف السورتين.
والجواب والله أعلم أن آية المائدة مبنية على تأنيس وتقريب واستلطاف وقد أحرز قوله "من ربهم " هذه المعانى الثلاثة حسبما يتبين بعد.
ومن التأنيس أيضا افتتاح خطاب من قصد بها بقوله "يأيها الذين آمنوا " مع انهم نهوا عن عدة منهيات والنهى مما يثير الخوف لمن قصد بالنهى، ثم يحكمه ويقويه ما وصف به آم البيت الحرام من ابتغاء الفضل والرضوان إلى ما تعضيده إضافة التخصيص فى قوله "من ربهم " إذ لا يحصل ذلك من أن لو قيل: يبتغون فضلا من الله عوض قوله "من ربهم " وإذاية من خص بتقريب ليست كإذاية من ليس كذلك، والمعصية قد تكون واحدة ثم تعظم بإيقاعها على صفة ما، وتأمل ما ورد فى الزنا بحليلة الجار والزنا كله كبيرة ولكن وقوعه بحليلة الجار زيادة وذلك لحرمته، وكذلك ما عظم الشرع من الإلحاد فى البيت الحرام والإلحاد كله