السؤال الرابع: ما وجه كون الوارد من حمده في الخواتم والانتهاءات لم يطرد فيه ما أطرد في افتتاح هذه السور من اختلاف التوابع بل جرى على أسلوب واحد فقال سبحانه: "فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين " وقال تعالى: "وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين " وقال تعالى: "وقضى بينهم بالحق وقيل الحمد لله رب العالمين " وقال تعالى: "وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين " فورد هذا مكتفي فيه بوصفه سبحانه بأنه رب العالمين
والجواب عن السؤال الأول: بعد تمهيده وهو أن نقول أن قوله تعالى: "الحمد لله " مبتدأ وخبر وكذلك قوله: "فلله الحمد " وتأخر في هذه الثانية المبتدأ، والحاصل في الموضعين معنى واحد وهو حمده سبحانه بما هو أصله.
ومعلوم أن التقديم والتأخير فيما بين المبتدأ والخبر إذا لم يقع عارض مما يعرض في التركيب، ككون المبتدأ مما يلزم صدر الكلام، أو كون الخبر كذلك، فيلزم تقديم ما له الصدرية إلى غير ذلك من العوارض وهى كثيرة، فما لم يعرض عارض يوجب لأحدهما التقديم أو التأخير فتقديم أيهما كان وتأخير الآخر عربي فصيح، إلا أن مرتبة المبتدأ التقديم ليبنى عليه الخبر، فتقديمه عند عدم العوارض اللفظية أولى كما فى القرآن.
وإذا وضح هذا فللسائل أن يقول: ما الموجب لتقديم الخبر على المبتدإ فى سورة الجاثية؟ وهل كان يسوغ عكس الواقع؟
والجواب: أن العوارض الموجبة لتقديم ما مرتبته التأخير وتأخير ما مرتبته التقديم ليست منحصرة فى جهة التركيب اللفظي، بل قد يعرض من جهة المعنى.
وتقدير الكلام ما يقتضى ذلك ويوجبه.
وإذا تقرر هذا فنقول: إن قوله تعالى: "فلله الحمد " ورد على تقدير الجواب بعد إرغام المكذب وقهره ووقوع الأمر مطابقاً لأخبار الرسل عليه السلام، وظهور ما كذب الجاحد به، فعند وضوح الأمر كأن قد قيل لمن الحمد ومن أهله؟ فكان الجواب على ذلك فقيل: "فلله الحمد ".
نظير هذا قوله تعالى: "لمن الملك "؟ ثم قال: "لله الواحد القهار "، ألا ترى تلاقى الآيتين فيما تقدمهما فالمتقدم فى سورة غافر قوله تعالى: "لينذر يوم التلاق يوم هم بارزون لا يخفى على الله منهم شئ ".
فعند ظهور الأمر للعيان ومشاهدة ما قد كان خبراً قيل لهم: "لمن الملك اليوم ".
وتقد فى سورة الجاثية قوله تعالى: "وبدا لهم سيئآت ما عملوا " الآيات.
وإنما ذلك يوم التلاقي والعرض عليه سبحانه فعند المعاينة وزوال الارتياب والشكوك كأن قد قيل لهم: لمن الحمد ومن أهله؟