التصديق وإن اتسع فى إطلاقه على الإيمان والإسلام فالتصديق حاصل على كل حال كما لو قيل فى آية سورة الفتح: "والذين آمنوا معهم " إذا تقرر هذا فلا حامل غير التحرز بأن يقال "منهم " لأنهم مستوون غير مختلفين فى ظاهر ولا باطن بخلاف آية الفتح لما فى ظاهر لفظ مع مما تقدم.
فإن قيل: وصفهم بما وصفوا به فى آية الفتح يرفع ما ذكرت من الاحتمال قلت: إذا أمكن رجوعه إلى الأكثر واحتمل لم يندفع ذلك الاحتمال فورد كل من الآيتين على ما يناسب، والله أعلم.
الآية السادسة:
قوله تعالى: " فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ " وقال فيما بعد " سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آَخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ "
فى الأولى "عن مواضعه " وفى الثانية "من بعد مواضعه " فيسأل عن موجب ذلك.
والجواب عن ذلك والله أعلم أن الفرق بين الموضعين أن الآية الأولى تضمنت إخبار الله سبحانه لنبيه عليه السلام مرتكب من تقدم من كفار بنى إسرائيل حين أخذ عليهم الميثاق فيما عرفه سبحانه فى قوله "ولقد أخذنا ميثاق بنى إسرائيل وأخذنا منهم اثنى عشر نقيبا "الى قوله "فمن كفر بعد ذلك منكم فقد ضل سواء السبيل " فأخذ عليهم الميثاق وأخبرهم أنه تعالى معهم مواليهم بالتأييد وتكفير السيئات إن هم وفوا بما أخذ عليهم فى قوله "لئن أقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وآمنتم برسلى وعزرتموهم..
الآية " فنقضوا العهد وقتلوا الأنبياء وحرفوا كلام الله فجعل الله قلوبهم قاسية ولعنهم على لسان داوود وعيسى بن مريم فهذا كله تعريف بمرتكب سلف المعاصرين لرسول الله ﷺ وإخبار بحالهم من تحريفهم وتبديلهم.
وأما الآية الثانية فتعريف له عليه السلام بأحوال معاصريه منهم وكل هذا تسلية له ﷺ لئلا يحزنه قولهم ويشق عليه ارتكابهم وليعلم أن ذلك من بعدهم جار على ما قدر عليهم فى الأزل قد تبع فى ذلك الخلف السلف فقال سبحانه: "يأيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون فى الكفر من الذين قالوا آمنا بأفواههم وإذا جاؤوكم قالوا آمنا " فلما كان هذا الاخبار بحال خلفهم والأول إخبار بحال سلفهم ناسب حال الأولين ذكر ما تناولوه بأنفسهم وباشروه بالتحريف والتبديل فقيل: