فاعلموا أنما على رسولنا البلاغ المبين " وفى سورة التغابن: "وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول فإن توليتم فإنما على رسولنا البلاغ المبين "، فورد فى الأولى زيادة: "واحذروا " وزيادة: "فاعلموا " مع اتحاد ما تضمنته الآيتان من الأمر بطاعة الله تعالى وطاعة رسوله والتحذير من التنكب عن ذلك والتولى.
فيسأل عن ذلك؟
والجواب عن ذلك والله أعلم: أن آية المائدة لما أعقب بها آية الأمر باجتناب الخمر وما ذكر معها، ثم اتبع بعد ذلك بذكر العلة فى تحريمها فقال تعالى: "إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء فى الخمر والميسر...
"الآية إلى قوله: "فهل أنتم منتهون " فختمت من التهديد بما يشعر بشديد الوعيد ناسب ذلك قوله تأكيدا لما تقدم من الاشعار بمخوف الجزاء قوله "فاحذروا " وقوله "فإن توليتم فاعلموا " لما فى ذلك من التأكيد لما تقدم.
أما آية التغابن فلم يرد قبلها ما يستدعى هذا التأكيد ألا ترى الوارد فيها من قوله تعالى: "ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله ومن يؤمن بالله يهد قلبه والله بكل شئ عليم " فلما لم يرد هنا نهى عن محرم متأكد التحريم بما اتبع النهى من التهديد والتأكيد لم يرد هنا من الزيادة المحرزة لمعنى التأكيد ما ورد هناك فجاء كل على ما يجب ويناسب وليس عكس الوارد بمناسب والله أعلم.
الآية الخامسة عشرة:
قوله تعالى: "إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم " وكذا فى سورة الممتحنة: "واغفر لنا ربنا إنك أنت العزيز الحكيم " فورد فى هاتين الآيتين وصفه تعالى بهاتين الصفتين المشيرتين إلى العزة والقهر وإنما ورد المطرد فى الكتاب العزيز مهما جرى ذكر المغفرة طلبا أو إخبارا ورود ما به يقوى رجاء السائل ويطمع تعلقا به المتذلل الراغب كقوله تعالى: "إنه كان فريق من عبادى يقولون ربنا آمنا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الراحمين " فقوله هنا: "وأنت خير الراحمين " توسل مناسب لما تقدم من طلب المغفرة والرحمة وفى سورة يوسف قوله تعالى حكاية عن يوسف عليه السلام: "لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين " وفى سورة القصص: "قال رب إنى ظلمت نفسى فاغفر لى فغفر له إنه هو الغفور الرحيم " فهذا كله مناسب للطلب وهو كثير فى الكتاب العزيز وجار على ما تمهد وأما وصفه سبحانه بالعزة والملكية والحكمة فإنما يرد حيث يراد معنى الاقتدار والاستيلاء والقهر وإحاطة العلم


الصفحة التالية
Icon