نمكن لكم " وفى سورة الشعراء: "أولم يروا إلى الأرض كم أنبتنا فيها من كل زوج كريم "، للسائل أن يسأل هنا عن شيئين: أحدهما ثبوت الواو العاطفة فى آية الشعراء وسقوطها من آية الأنعام؟ والثانى وجه اختصاص كل واحدة منهما بموضعهما وإبداء المناسبة؟
والجواب عن ذلك: إن آية الأنعام لم يتقدم قبلها التنبيه على ما به التذكار والاعتبار مفصحا به تنبيها مع تخويف وتهديد متأكد مكرر يستدعى التقريع والتوبيخ بمقتضى الهمزة الداخلة على واو العطف كما فى سورة الشعراء وان كان المتقدم فى كل واحدة من السورتين متضمنا ما يحصل به الاعتبار مع ما فى المتقدم فى الأنعام من التفصيل والإطناب إلا أن المتقدم فى سورة الشعراء أوضح وأنص من حيث التخويف لعدم الاعتبار بالدلائل المنصوبة مشاهدة للمعتبرين فلما لم يكن وضوح التنبيه فيما قبل آية الأنعام كوضوحه فى السورة الأخرى بما انجر معه من التخويف المتكرر وإنما المتقدم قبل قوله: "ألم يروا " إيماء إلى الاعتبار بأحوال القرون السابقة وليس كالواقع قبل آية الشعراء لم يرد ما بعده مما هو تنبيه مخوف معطوفا عليه إذ لا يناسبه "كفروا " المتقدم من شديد التخويف المنجر فيما بعده أما آية الشعراء فإن قوله تعالى قبلها: "تلك آيات الكتاب المبين " تحريك وتنبيه، ثم إن ما يتلوه من قوله تعالى: "لعلك بلخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين " وإن كان تسلية لنبينا ﷺ فى طيه أعظم وعيد وتهديد لمن اعتبر ثم بعد ذلك قوله تعالى: "إن نشأ عليهم من السماء آية فظلت أعناقهم لها خاضعين " إلى ما بعده فهذا أوضح تنبيه بما صحبه من مخوف التهديد فعطف عليه قوله: "ألم يروا إلى الأرض كم آتينا فيها "... الآية وناسبه أوضح مناسبة.
فصل: ومما تعلق بهذه الآية من المغفل زيادة "من " فى قوله تعالى: "ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرن مكناهم فى الأرض " وفى سورة السجدة: "ألم يهد لهم كم أهلكنا من قبلهم من القرون يمشون فى مساكنهم " وفى ص: "كم أهلكنا من قبلهم من قرن فنادوا... ".
وردت هذه الآى الثلاث بزيادة "من "فيها وسائر ما ورد فى القرآن من مثل هذه الآى لم ترد فيها "من "كقوله تعالى فى سورة مريم: "وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أحسن أثاثا ورئيا " وفى آخرها: " وكم أهلكنا قبلهم من قرن هل تحس منهم من أحد " وفى طه: "أفلم يهد لهم كم أهلكنا قبلهم من القرون يمشون فى مساكنهم "، وفى يس: "ألم يروا من أهلكنا