والجواب عن ذلك والله أعلم: أن المذكورين قبل آية الأعراف المقول لهم فذوقوا العذاب قد خالفت حالهم حال المذكورين فى آية الأنفال وذلك أن آية الأنفال فى قوم بأعيانهم وهم كفار قريش من أهل مكة وحالهم معلومة إنما كانوا عبدة أوثان ولم تتكرر فيهم الرسل ولا كفروا بغير التكذيب به ﷺ وبتصميمهم على عبادة آلهتهم أما آية الأعراف ففى أخلاط من الأمم وأصناف من المكذبين تنوع كفرهم وتكذيبهم ضروبا من المخالفات وافتروا على الله سبحانه قال تعالى: "فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بآياته... "الآية
وفيها: "قال ادخلوا فى أمم قد خلت من قبلكم من الجن والإنس فى النار كلما دخلت أمة لعنت أختها حتى إذا اداركوا فيها جميعا قالت أخراهم لأولاهم ربنا هؤلاء أضلونا " ثم قال: "وقالت أولاهم لأخراهم فما كان لكم علينا من فضل فذوقوا العذاب بما كنتم تكسبون ".
فلشتى مجترحات هؤلاء واتساع مرتكباتهم وأنهم ضلوا وأضلوا ناسب ما وقع جزاؤهم عليه ذكر الاكتساب لا سيما على القول بأن الكفار مخاطبون بالفروع وهو قول حذاق الأصوليين وقول مالك رحمه الله، ولما انحصر مرتكب الأخرين فيما ذكر وكان مدار أمرهم على الكفر بما جاء به نبينا ﷺ ناسب ما وقع جزاؤهم عليه تخصيص ايم الكفر فكل من الاطلاقين جار على ما يجب ويناسب والله سبحانه أعلم.
الآية الخامسة قوله تعالى: "فأذن مؤذن بينهم أن لعنة الله على الظالمين الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا وهم بالآخرة كافرون " وفى سورة هود: "ألا لعنة الله على الظالمين الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا وهم بالآخرة هم كافرون " فزيد فى هذه الآية ضمير الفصل ولم يزد فى الأولى فللسائل أن يسأل عن وجه ذلك؟
وجوابه والله أعلم: أن ابتداء الإخبار فى الأعراف بحال هؤلاء الملعونين فى الآيتين هو قوله تعالى فى الأولى: "فأذن مؤذن بينهم أن لعنة الله على الظالمين " وابتداء الاخبار عنهم فى سورة هود قوله تعالى: "أولئك يعرضون على ربهم ويقول الأشهاد هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين " ففى هذا اطناب وتأمل ورود الظاهر فى موضع المضمر من قوله "على الظالمين " ولم يقل عليهم، فناسب زيادة ضمير الفصل وفى آية الأعراف إيجاز ناسبه سقوطه ولو لم يكن ما بين "أن "