ولم يرد فى سورة الفرقان ذكر إثارة الرياح السحاب اكتفاء ببشارة قوله: "بين يدى رحمته " لأنه قصد هنا ذكر الإنعام ولم ينط بذلك ما يقصد به امتداد الاعتبار ألا ترى قوله قبل الآية: "وهو الذى جعل لكم الليل لباسا وجعل النهار نشورا " فقصد ذكر الإنعام ثم الاعتبار جار مع ذلك ثان عن المقصود من ذكر الإنعام فلم يذكر الا بادئ الإنعام، فجاء كل على ما يناسب ولا يمكن خلافه والله سبحانه أعلم.
والجواب عن السؤال الرابع: وهو الفرق بين ما فى الأعراف وسورة الملائكة من سوق الرياح السحاب إلى البلد الميت وما فى سورة الروم من قوله: "فيبسطه فى السماء كيف يشاء ويجعله كسفا " بزيادة ذكر سوقه إلى بلد ميت فى آيتى الأعراف والملائكة وسقوط ذلك فى سورة الروم مع زيادة بيان حال السحاب وانتشارها فى السماء وتقطيعها لانبعاث المطر فيقول السائل: إن كان الكلام مقصودا به قصد الإطالة فلم يرد فيها الوارد فى الأخريين من قوله: "فسقناه إلى بلد ميت " وإن كان قد قصد به الإيجاز فلم ورد هذا الإطناب هنا بما بسط من حال السحاب؟
والجواب عن ذلك: ان الآيات الثلاث محرزة أجل إيجاز وأبلغه، وان آية الروم لم يسقط منها شئ من التعريف بسوق السحاب إلى البلد الميت وإنما الحاصل على ما زيد فيها من بيان حال السحاب ما قصد من تحريك المعتبر وتنبيهه على ما فيه أعظم دلالة وأوضح برهان، ألا ترى تقديم قوله: "ومن آياته أن يرسل الرياح مبشرات وليذيقكم من رحمته " وجليل موقع هذه الاستعارة وقوله: "ولتجرى الفلك بأمره " ثم أشير إلى تسخير الفلك بقوله: "ولتبتغوا من فضله " فقد ورد هنا تعداد نعم جليلة فلما عاد الكلام إلى ارسال الرياح وذكر إثارتها السحاب اتبع ذلك بما يناسب فقال تعالى: "يبسطه فى السماء كيف يشاء "والإشارة إلى ما تؤمه السحاب ببسطه سبحانه إياها فتوارى من أقطار الأرض وجهاتها ما يشاء سبحانه إحياءه وسقيه ويجعلها سبحانه كسفا أى قطعا متخلخلة لنفوذ ما تحملت من الماء فينبعث الماء من تلك المسام كانبعاث العرق من مسام الأجساد: "فترى الودق يخرج من خلاله " وبحسب ما حملها سبحانه أو ثقلها من الماء يكون المرسل عنها فى الكثرة وما دونها: "فإذا أصاب به من يشاء من عباده إذا هم يستبشرون " فلما انبنت هذه الآية على ما قصد من زيادة التنبيه وتوفيه الاعتبار خصت بما لم يقع فى آيتى الأعراف