الحكمة زكل هذه الآى متلائمة متعاضدة لا تعارض فيها ولا إشكال وقد تضمن هذا الجواب أجوبة عن مواضع من هذه الآى وقوله فى
الأعراف: "فأخرجنا به من كل الثمرات " مناسب لقوله: "حتى إذا أقلت سحابا ثقالا " لما تقدم ما يشير إلى كثرة مائها ناسبه التعريف بكثرة ما يخرج سبحانه به من مختلف الثمرات ولما قصد فى آية الفرقان سقى الحيوان العاقل وغير العاقل ناسبه ما تقدم من وصف الماء بالطهورية والطيب وقد حصل إخراج الثمرات بقوله لنحيى به بلدة ميتا وأما قوله فى سورة الروم: "فإذا أصاب به من يشاء من عباده إذا هم مستبشرون " فجار مع قوله قبل الآية: "ومن آياته أن يرسل الرياح مبشرات " لما ذكر سبحانه إرسالها مبشرات اتبع ذلك ما به البشارة وهو الودق المرسل من السحاب المشار بها والاخبار بمن المبشر بها وهو من يشاء تخصيصه من عباده بتلك الرحمة فأوضح آخر الآية المجمل قبلها وحصلت ما قصد بها على أكمل تناسب وأما قوله فى سورة الملائكة: "فأحيينا به الأرض بعد موتها " فمبنى على قوله: "يأيها الناس إن وعد الله حق " والمراد بهذا العودة الأخراوية فأرى سبحان مثالا يوضحها لمن تدبر وعقل فقال تعالى: "سقناه إلى بلد ميت فأحيينا به الأرض بعد موتها " ثم قال: "كذلك النشور " والآى قبلها لم يتقدمها مثل ما تقدم هذه من تحريك الخلق وتخويفهم بالوعد الأخراوى فلم تعقب بمثل ما أعقبت به من هذه من تحرير التشبيه وان كان فى أكثرها التشبيه على إحياء الموتى ولكنه ليس كالواقع هنا.
والجواب عن قوله فى سورة الأعراف: "كذلك نخرج الموتى " أنه مقابل بقوله: "فأخرجنا به من كل الثمرات " ولم يرد هكذا فى سائر الآيات أعنى التعبير بلفظ الإخراج لما ينبت المطر وما يخلق سبحانه فى الأرض ولما ورد فى سورة الملائكة قوله سبحانه: "فأحيينا به الأرض بعد موتها " قوبل تشبيها بقوله: "كذلك النشور " ولم يكن ليتحر المراد لو قيل: كذلك الإحياء ولو قيل: كذلك إحياء الموتى لاجتمع فيه الطول مع مخالفة الفواصل فيما قبل الآية وما بعدها، ألا ترى قوله تعالى: "ولا يغرنكم بالله الغرور " قوله بعد الآية: "ومكر أولئك هو يبور " وما تخلل الآيتين وما ورد بعدها ثم إن النشور هو إخراج الموتى وإحياؤهم مع أنه أوجز وأطبق للفواصل فجاء كل على ما يناسب واما سائر الآي فلم تبن على قصد التشبيه ولا جرى فيها ذلك فوقع الاكتفاء فيها بمجرد الإيماء والإحالة على غير طريقة التشبيه.


الصفحة التالية
Icon