قبل الأولى من قوله: "قل لا تعتذروا لن نؤمن لكم " أى لستم صادقين فى اعتذاركم ثم قال: "قد نبأنا الله من أخباركم " أى قد أطلعنا على نفاقكم وسوء سرائركم ثم قال: "وسيرى الله عملكم ورسوله " وهذا تهديد عطف على مثله وقصد تعريفهم بالمجموع مما استوجبوا به المقت ولم يعطف بالفاء إذ ليس ما تعطيه من المعنى مقصودا هناا ولم يقل هنا والمؤمنون إذ النفاق عمل يخفيه المنافق فلا يطلع عليه إلا الله سبحانه وقد يطلع عليه رسوله ومن شاء من عباده وإنما كانوا يتظاهرون بخلاف ما يبطنون ثم قال "ثم تردون " فعطف ردهم إلى الله بثم المعطية مع مهلة الزمان هنا تفاوتا فى التهديد والوعيد ولم تكن الواو لتعطى هذا المعنى وتحرزه وقد بينت المواضع الثلاثة التى خالفت فيها هذه الآية الآية التى بعدها.
وأما الثانية فهى فى المتخلفين عن غزوة تبوك قال الطبرى: "فيمن تاب منهم " كما تقدم وقد وقع قبلها قوله تعالى: " وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا عسى الله أن يتوب عليهم " ثم قال: "خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم " فأمره سبحانه بأخذ زكواتهم وأخبره أنها تطير لهم وتزكية وأمره أن يدعوا لهم بقوله: "وصل عليهم " ثم زادهم تأنيسا بقوله: "ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات ".
فإن قيل إنك قد عضدت هذا المأخذ فى هذه الآية لما اتصل بها من قوله: "خذ من أموالهم " وهذه الآية مطلقة يراد بها جميع من امر بالزكاة وهم المؤمنون ولم تختص بأهل تبوك ولا غيرهم قات إنما دليلى فى اتصال بالآية عقبها المتكلم فيها وفى اتصالها بها بل تحصل الشهادة ويعتضد المراد ويلتئم النظم لأن من كان مقصودا بالآية الثانية وهى قوله: "قل اعملوا " على ما تمهد من جملة المؤمنين المخاطبين بالزكاة فالمعنى ومقتضى النظم وجلالة التركيب وتناسب السياق تحصل الشهادة فنقول قال تعالى: "وقل اعملوا " والمراد بالدأب على أعمال البر ما سلف من تقصيرهم ونظير هذا ما وقع عقب قوله تعالى: " قل يا عبادى الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله... "الآية ثم قال تعالى: "وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب " فليس قوله: "وقل اعملوا " وإن كان قد يبدو منه تهديد كالواقع فى الآية قبل إنما هو فى الحقيقة أمر بالعمل المرجو محوه لما سلف من تقصير وتهذيد لمن لم يتب.
وقوله: "فسيرى الله عملكم " جواب للأمر من قوله: "اعملوا " فالفاء فاء جواب