وإغراق أعدائهم من المكذبين ولم يغن
عنهم كيدهم.
ولم يرد هذا الضرب المقتضب من قصة نوح عليه السلام على هذه الصفة فى غير هذه السورة لما قدمنا ذكره ولم يكن ليناسب ما بنيت عيه السورة غير هذا الوارد.
ومن نحو هذا ما ورد فيها من قصة موسى عليه السلام ودعائه فى قوله: "ربنا اطمس على أموالهم "فكان ذلك حسب ما دعاه إلى ذكر إغراق فرعون وملئه وطمعه فى الإيمان حين أدركه الغرق فقال: "آمنت أنه لا إله إلا الذى آمنت به بنو إسرائيل " فلم ينفعه ذلك لفوات وقته فاقتصر أيضا على هذا القدر من قصة موسى عليه السلام لما تقدم من مناسبة هذه السورة.
وأما سورة لقمان فورد فيها قوله تعالى: " خلق السماوات والأرض بغير عمد ترونها " إلى قوله: "هذا خلق الله " وبعد ذلك قوله تعالى: " ألم تروا أن الله سخر لكم ما فى السماوات والأرض وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة " وقوله: "إن الله غنده علم الساعة... " الآية وفى هذه السورة أيضا ما منح لقمان من الحكمة وما انطوت عليه قصته من حكمة وما صدر عنه فى وصيته ولم تخرج آى هذه السورة عن هذا فهذا وجه وصف الكتاب فى هاتين السورتين بالحكيم.
وأما سورة يوسف عليه السلام فلم تنطو على غير قصته وبسط التعريف بقضيته وبيان ما جرى له مع أبيه من فراقه وامتحانه بإلقائه فى الجب والبيع والتعرض له بالفتنة وتخلصه بسابق اصطفائه مما كيد به وابتلائه بالسجن وجمعه بأخيه واشتمال شملة بأبيه عليهما السلام واخوته ولم تخرج آية من آى هذه السورة عن هذا من بسط هذه القصة فلهذا اتبع الكتاب بالوصف بالمبين.
فقد وضح ورود كل من الموضعين على ما يجب ويناسب والله أعلم.
فإن قيل فما وجه ورود الميم فى سورة لقمان مكان الراء فى قوله تعالى: " الر "فى السورتين فقيل فى مطلع لقمان: "الم " مع موافقتها سورة يونس عليه السلام فيما تمهد ثم خالفتها فى هذه فقيل: "الم " فللسائل أن يسأل عن وجه ذلك؟
والجواب عن ذلك - والله أعلم - ان سورة لقمان تضمنت من التنبيه والتحريك والاعتبار إفصاحا وإيماء للمؤمن والكافر مالم تتضمن سورة يونس على طولها وان كانت آيها كلها آى اعتبار الا انها ليست كالوارد من ذلك فى سورة لقمان فمن التنبيه المتضمن تقريع من عبد غيره سبحانه قوله تعالى بعد ذكر خلق السماوات بغير عمد