وتتخذون وقاية من عذابه على مخالفتكم ثم قيل لهم: "فذلكم الله ربكم الحق " أى مالك ذلك كله والمنفرد بتدبيره هو ربكم الحق فكيف تنصرفون عنه ثم أخبر تعالى أن كلمته التى لا مبدل لها حقت على من انصرف عن الحق وتركه بعد بيانه بحسب ما قدر له فى الأزل ولم يقلع عن ذلك أنه لا يؤمن أبدا "إن الذين حقت عليهم كلمات ربك لا يؤمنون ولو جاءتهم كل آية " ولما لم يتقدم قبل هذه الآيات فيما اتصل بها مقال من ذكر ممن حقت عليه كلمة العذاب أتى قوله: "كذلك حقت " فصورة الاستئناف غير معطوفة إذ لم يتقدم ما يعطف عليه وقيل "فسقوا " لأن بما تقدم مما قرروا عليه مع ما جعل لهم من الاسماع والابصار والافئدة مكنوا من النظر بما خلق لهم من الادوات ووضوح المنظور فيه فبمجموع هذا كله كانوا بمنزلة من تحصل الأجر وكأنه قج اتصف به وتمكنت حاله فيه ثم تركه وخرج عنه ونظير هذا قوله تعالى: " أولئك ال ذين اشتروا الضلالة بالهدى " فلاءم هذا الحال وسمهم بالفسق فقيل: "على الذين فسقوا " فاستحقوا على فسقهم بقدر الله عليه أن منعوا التصديق وهو الإيمان فأضلهم الله على علم.
أما آية غافر فإنه تقدم قبلها قوله تعالى: " ما يجادل فى آيات الله إلا الذين كفروا " ثم أعقب بذكر قوم نوح والأحزاب وهم كل أمة منهم برسولهم ليأخذوه وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق فأخذهم الله وأهلكهم بما حق عليهم.
ثم قال تعالى: " وكذلك حقت كلمات ربك على الذين كفروا أنهم أصحاب النار " وأهلها فكيف يصح منهم الإيمان وقد حقت عليهم الكلمة: "أفمن حق عليه كلمة العذاب أفأنت تنقذ من فى النار " فلما تقدم فى هذه السورة ذكر من حقت عليه كلمة العذاب عطف عليه: "وكذلك حقت " ولم يتقدم ذلك فى يونس ولما تقدم قوله تعالى: " ما يجادل فى آيات الله إلا الذين كفروا " ولم يتقدم بسط دلالات مما به الاعتبار لم يكن هؤلاء بمنزلة المذكورين فى يونس وإن كانت الدلالات عنده فى حق الكل ولكن مراعاة النظم أمر ملتزم والافصاح بالذكر كما أفصح فى آية يونس لم يقع هنا فلما تكن هذه الآية كتلك فيما ذكر وسم هؤلاء بالكفر وقيل "على الذين كفروا " ولم يقل "فسقوا " إذ لم يتقدم هنا ما تقدم هناك ما يتقدم معه ذكر الفسق وأيضا فقد تقدم فى غافر قوله تعالى: " ما يجادل فى آيات الله إلا الذين كفروا " فناسبه "وكذلك حقت كلمة ربك على الذين كفروا " وإذا كانوا كافرين فهم أصحاب النار فأما الفاسق فإن كان فسقه يخرجه من الإيمان كان كافرا وان كان بالخروج إلى