من شرك وماله منهم من ظهير " للسائل أن يسأل عن تقديم الأرض على السماء فى سورة يونس وعكس ذلك فى الموضعين من سورة سبأ؟
والجواب عن ذلك والله أعلم: أن آية يونس مقصود فيها من تأكيد الاستيفاء والاستغراق مالم يقصد فى الأخريين وإن كان العموم مراد فى الجميع إلا أن آية يونس قضت بزيادة التأكيد ولذلك تكررت فيها مع ما قبلها ما النافية المتلقى بها القسم فى قوله: "وما تكون فى شأن وما تتلوا منه من قرآن ولا تعملون من عمل إلا كنا ليكم شهودا " فقوى بذلك قصد تأكيد الاستغراق وتضمين الكلام معنى القسم فقال تعالى: "وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة " بزيادة من فى الفاعل وهى مقتضية معنى الاستغراق فى مثل هذا وبناؤها على ما المتلقى بها القسم بفهم ما قلناه من معنى القسم وتأكيد الاستغراق بل أقول إن "من " فى مثل هذا نص فى ذلك.
قال سيبويه رحمه الله: "إذا قلت ما أتانى رجل فإنه يحتمل ثلاثة معان أحدها أن تريد أنه ما أتاك رجل واحد بل أتاك أكثر من واحد والثانى ما أتاك لاجل فى قوته ونفاذه بل أتاك الضعفاء والثالث أن تريد ما أتاك رجل واحد ولا أكثر من ذلك فإن قلت ما أتانى من رجل كان نفيا لذلك كله " هذا معنى كلامه والحاصل منه أن "من " فى سيلق النفى تعم وتستغرق.
ثم إنه قد تقدم قبل هذه الآية قوله تعالى: " وما تكون فى شأن وما تتلوا منه من قرآن ولا تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهودا إذ تفيضون فيه " فدخول "من " فى المفعول فى الموضعين من قوله: " وما تتلوا منه من قرآن ولا تعملون من عمل " فزيدت فى المفعول وهو اسم نكرة وارد فى سياق النفى وذلك محصل للاستغراق ثم حمل عليه قوله تعالى: " وما يعزب عن ربك مثقال ذرة... " الآية فناسب هذا تقديم ذكر الأرض على السماء لأن السماء مصعد الأمر ومحل العلو ومسكن الملائكة وهى مشاهدة لهم ومستقبل الداعين منها ينزل الأمر ورزق العباد وفيها الخزنة من الملائكة واليها يصعد بأرواح المؤمنين ويعرج الملائكة السياحون فى الأرض المسؤولون عن أفعال العباد فكان العلم بما فيها أجلى وأظهر وكان العلم بما فى الأرض أخفى وهذا بالنظر الينا وبحسب متعارف أحوالنا وإلا فعلم بارينا سبحانه بما فى الأرض وما فى السماء على حد سواء كما أن علمه بالسر والجهر مستو: "سواء منكم من أسر القول ومن جهر به " ولكنا إنما خوطبنا على أحوالنا وبما