والجواب أن الآية الأولى قد ورد قبلها قوله تعالى: " ولو شاء ربك لآمن من فى الأرض جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله " وبعد هذا: "وما تغنى الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون " وبعد هذا كذلك: "حقا علينا ننجلا المؤمنين " وبعد هذا الآية المذكورة من قوله: "وأمرت أن أكون من المؤمنين " وتناسب هذا كله بين.
ثم من المعلوم ان اسم الإيمان إنما يقع لغة على التصديق وعلى هذا يطلقه الأشعرية ومنه: "وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين " ثم قد يتسع فى إطلاقه فيوقع على التصديق والاستسلام ومنه: "وأمرت أن أكون من المؤمنين " والأصل فى اسم الإسلام وقوعه على الاستسلام والتزلم الأعمال الظاهرة ثم يتسع فيه فيطلق على مجموع التصديق والاعتقاد والاستسلام ومنه: "وأمرت أن أكون من المسلمين " وقد يختص كل من الاسمين بمسماه من غير اتساع ومنه قوله تعالى: " قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا " وفى حديث سؤال جبريل عليه السلام: "ما الاسلام؟ قال ان تشهد ان لا اله الا الله وأنى رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتى الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت ان استطعت إليه سبيلا قال صدقت فما الايمان؟ قال: أن تؤمن بالله...
"الحديث فوقع فيه التفصيل إجراء على أصل التسمية فإذا تقرر هذا فاعلم ان ما تقدم قبل آية يونس من تكرار اسم الإيمان لم يكن ليلائمه إطلاق اسم الإسلام لأن رتبة الإيمان فوق رتبة الإسلام ومقامه أعلى وهذا على إطلاق كل واحد من الاسمين على مسماه لغة وعلى رعى التفصيل فكأن يكون عكس الترقى إلى الأعلى أبدا فلا يمكن فى آية يونس الا ما وردت عليه.
أما آية النمل فإن قبلها قوله: "إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة الذى حرمها الله وله كل شئ " وقوله: "وله كل شئ " يقتضى تسليم كل شئ له والتبرى من توهم شريك أو نظير فناسب هذا قوله: "وأمرت أن أكون من المسلمين " وجاء كل على ما يجب.
الآية الحادية عشرة
قوله تعالى: " فمن اهتدى قإنما يهتدى لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها وما انا عليكم بوكيل " وفى سورة النمل: "فمن اهتدى فإنما يهتدى لنفسه ومن ضل فقل إنما أنا من المنرين " فورد فى الأولى عقب قوله