لذلك تمهيداً فنقول: أنه تعالى بدأ عباده بالنعم وأحسن إليهم قبل إيجادهم حين ذكرهم فى الأزل بخصوص التكريم وسبقت رحمته غضبه وله المن والطول وعلى لحظ ما ذكرنا ورعيه جرى خطاب الخلق فى دعائهم إلى عبادته فقال تعالى فى أول وارد من ذلك فى كتابه العزيز على المعتمد من مقتضى الترتيب الثابت: "يأيها الناس اعبدوا ربكم الذى خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون " إلى قوله: "فلا تجعلوا لله أنداداً وأنتم تعلمون " فذكرهم سبحانه بإيجادهم بعد العدم وجعله الأرض فراشا لهم والسماء بناء وانزال الماء من السماء واخراج الثمرات به وكل هذا انعام وإحسان منه لعباده من غير حاجة به إلى ذلك فدعا سبحانه الخلق لعبادته مذكراً بإنعامه عليهم وبهذا أمر رسله فقال لموسى عليه السلام: "وذكرهم بأيام الله " أى بآلائه ونعمائه وعلى هذا جرى خطاب بنى إسرائيل فى سورة البقرة فى أول خطاب خوطبوا به ودعوا إلى عبادة الله وتصديق من قدم لهم فى أمره وأخذ عليهم العهد فى الإيمان به فقال تعالى: "يا بنى إسرائيل اذكروا نعمتى التى أنعمت عليكم ".
فأجمل تعالى ثم فصل فذكر نجاتهم من آل فرعون وفرق البحر بهم ونجاتهم وهلاك عدوهم بالغرق ثم ذكر عفوه عنهم فى عبادة العجل وتوبته عليهم وبعثهم من موتهم عند طلبهم الرؤيا، وتظلياهم بالغمام إلى ما ذكر تعالى بعد هذا.
فلما كان موضع تعداد نعم وآلاء ذكروا بها ليزدجروا عن المخالفة والعناد ناسبه التضعيف لاثباته بالكثرة ولو قيل هنا واذ أنجيناكم لما أنبأبذلك ولا ناسب المقصود مما ذكر، وأيضا فإن التضعيف فى: نجيناكم يناسب التضعيف الوارد بعده فى قوله: "يذبحون "، ولم يكن لفظ أنجيناكم غير مضاعف ليناسب.
والجواب عن السؤال الثانى: والله أعلم ان الذبح منبئ عن القتل وصفته وأما اسم القتل فلا يفهم الا اعدام الحياة ويتناول من غير المقتول فى الغالب فعبر أولا بما يوفى المقصود من الاخبار بالقتل مع احراز الإيجاز، إذ لو ذكر القتل وأتبع الصفة لما كان ايجازا، فعدل إلى ما يحصل عنه المقصود مع ايجاز فقيل: "يذبحون " وعبر فى سورة الأعراف بالقتل لأنه أوجز من لفظ يذبحون لأجل التضعيف إذ لفظ يذبحون أثفل لتضعيفه وقد حصلت صفة القتل فى سورة البقرة فأحرز الإيجاز فى الكل وجاء على ما يجب ويناسب والله أعلم.
والجواب عن السؤال الثالث: وهو قوله تعالى فى سورة إبراهيم: "ويذبحون أبنائكم ويستحيون


الصفحة التالية
Icon