مؤنة ولهذا قيل لهم: "أتستبدلون الذى هو أدنى بالذى هو خير " فلما سألوا ما يستلزم مهنة النفس ودناءة الحال لما أجرى به الله تعالى العادة من أن الذى سألوه لا يتوصل إليه الا بتكلف ومشقة فلما سألوا ما حاصله خسة وامتهان ناسب ذلك أن يناط به وينبئ عليه ذكر ضرب الذلة والمسكنة عليهم ثم أعقب ذلك ما باؤوا به من غضب الله الذى سبق به القدر عليهم ونعوذ بالله من غضبه.
ولما تقدم فى آل عمران قوله تعالى: "لن يضروكم إلا أذى وإن يقاتلوكم يولوكم الأدبار ثم لا ينصرون " ناسب هذا تقديم ما لا نصرة لهم معه ولا فلاح وهو ما باؤوا به من غضب الله عليهم فقال تعالى: "وباؤوا بغضب من الله " فجاء كل على ما يناسب ويلائم والله أعلم بما أراد.
الآية الخامسة عشرة:
قوله تعالى: "ذلك بأنهم كانوا يكفرون بالله ويقتلون النبيين بغير الحق " وفى سورة آل عمران: "إن الذين يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير حق " وفيها بعد: "لن يضروكم إلا أذى " إلى قوله تعالى: "ذلط بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون الأنبياء بغير حق " بتنكير حق فى هذين الموضعين وتعريفه فى البقرة واختصاص الآية الأخيرة بجمع التكسير فيما جمع فى الآيتين جمع سلامه فقيل: "النبيين فى الآيتين وقيل فى هذه الأخيرة الأنبياء مكسرا فهذان سؤالان.
والجواب عن الأول والله أعلم، بعد العلم بأن المذكورين فى الآيات الثلاث من بنى إسرائيل قد اجتمعوا فى الكفر والاعتداء أن هذه الآية الأخيرة لما كانت فيمن شاهد منهم أمر محمد ﷺ وعاين تلك البراهين واستوضح أنه الذى أخبر به موسى وغيره صلى الله عليهم أجمعين وتكاثرت الأدلة فى أمره ثم لم يجد ذلك عليهم إلا التمادى فى الكفر والعناد من بعد ما تبين لهم الحق كان الأنسب لمرتكبهم فى كفرهم أن يعبر عنهم أنهم ارتكبوه بغير سبهة ولا سبب يمكن التعلق به فقوله تعالى: "بغير حق " كأنه مرادف لأن لو قيل: بغير سبب ولا سبهة وذلك أوغل فى ذمهم وسوء حالهم لأنهم لا يمكنهم فى مرتكبهم تعلق بشئ البتة ولا أدنى شبهة ولما كانت الأولى فى سورة البقرة إنما هى فى سلفهم ممن لم يشاهد أمر محمد صلى اله عليه وسلم وقد وقع الافصاح فيها بكفرهم بعد تعريفهم بذكر آلاء ونعم وقد ورد فيها أن بعض تلك المرتكبات أو أكثرها قد عفى عنهم فيها ولا شك أن بعضهم قد سلم مما وقع فيه الأكثر من كفرهم