بقوله: "وغرهم فى دينهم ما كانوا يفترون "، وهذا بسط لحالهم الحامل على سوء مرتكبهم ولم يقع فى سورة البقرة تعرض لشئ من ذلك بل أوجز القول ولم يذكر سببه فناسب الإفراد الإيجاز وناسب الجمع الاسهاب ولو جمه فى سورة البقرة وأفرد فى سورة آل عمران أو أفرد فيهما أو جمع فيهما لما ناسب فورد كل على ما يناسب ويجب. والله أعلم.
الآية التاسعة عشرة:
قوله تعالى: "قل إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله خالصة من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين ولن يتمنوه أبدا بما قدمت أيديهم " وفى سورة الجمعة: "ولا يتمنونه أبدا بما قدمت أيديهم " فيسأل عن تخصيص آية البقرة بقوله: "ولن يتمنوه " وآية الجمعة بقوله: "ولايتمنونه " مع اتحاد الاخبار؟ ووجه ذلك والله أعلم أن آية البقرة لما كان الوارد فيها جوابا لحكم أخراوى يستقبل وليس فى الحال منه إلا ما زعم مجرد واعتقاد أن الأمر يكون كذلك ناسبه النفى بما وضعه من الحروف لنفى المستقبل لأن لن يفعل جواب سيفعل، ولما كان الوارد فى سورة الجمعة جوابا لزعمهم أنهم أولياء الله من دون الناس وذلك حكم دنياوى ووصف حالى لا استقبال فيه ناسبه النفى بلا التى لنفى ما يأتى من غير اختصاص الا بغير الماضى وقد تتعاقب مع ما التى لنفى الحال.
فإن قلت: فإن ما النافية أخص بالحال فهى أنسب قلت: قد يفهم من ما نفى مجدد للحال دون ما يتصل به فقد يقول القائل: ما يقوم زيد، يريد ما يقوم اليوم ولا يريد أنه لا يقوم غدا وما صالحة لهذا المعنى وهم إنما أرادوا أنهم أولياء مستمرون على ذلك وان تلك صفتهم فى الحال وما يليه إلى آخر حياتهم إذ ذلك هو الموجب أن تكون لهم الدار الآخرة خالصة من دون الناس كما زعموا فلما كان زعمهم هذا ناسبه نفى دعواهم زتكذيب زعمهم بحرف أنص فى نفى ذلك وانه لا يقع منهم التمنى فى حالهم ولا فيما بعده أبدا.
فإن قلت: ان قوله "أبدا " قد أحرز هذا قلت: تأكيد ذلك أبلغ فنغى بلا وأكد بالتأبيد فجاء كل على أعلى البلاغة والله أعلم.
الآية الموفية عشرين: قوله تعالى: "ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذى جاءك من العلم مالك من الله من ولى ولا نصير " وورد فيما بعد: "ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب بكل آية ما تبعوا قبلتك وما أنت بتابع قبلتهم وما بعضهم بتابع قبلة بعض ولئن اتبعت أهواءهم من بعد ما جاءك من العلم إنك إذا لمن الظالمين " وفى الرعد: "وكذلك أنزلناه حكما عربيا وائن اتبعت أهواءهم بعد الذى جاءك من العلم مالك من الله من ولى ولا واق ".


الصفحة التالية
Icon