والقائمين معتكفين فأغنى ذكرهم متقدما عن الإتيان به حالا مبينه، وأغنى قوله فى آية البقرة: "والعاكفين " عن قوله: "القائمين " لأن العكوف الملازمة وهو المراد بالقيام فورد كل على ما يجب وينسب، وقوله: "والركع السجود " يراد به المصلون ومن قال ان المراد بقوله: "والقائمين " المصلون فوجهه أن ذكر العكوف قد حصل فيما تقدم فأكتفى به ولم يكن وقع قبل آية البقرة ولا بعدها فلم يكن بد من ذكره وعبر عن المصلين بالركع السجود وتحصل أنه المقصود فى الآيتين ووردتا على ما يجب ويلائم والله أعلم بما أراد.
الآية الثانية والعشرون: قوله تعالى: "وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا بلداً آمنا " وفى سورة إبراهيم: "رب اجعل هذا البلد آمنا "، فنكر فى سورة البقرة وعرف فى سورة إبراهيم بأداة العهد فيسأل عن ذلك.
ووجهه والله أعلم أن اسم الإشارة الذى هو "هذا "فى سورة البقرة لم يقصد تبعيته اكتفاء بالواقع قبله من قوله تعالى: "وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا "، وقوله: " وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتى للطائفين والعاكفين والركع السجود....
الآية "وتعريف البيت حاصل منه تعريف البلد لا سيما بما تقدم من قول إبراهيم عند نزوله بولده بحرم الله ودعائه أولا بقوله: "ربنا إنى أسكنت من ذريتى بواد غير ذى زرع عند بيتك المحرم....
الآية "، فتعرف البيت تعريف للبلد فورد اسم الإشارة غير مفتقر إلى التابع المبين جنسه كالجارى فى أسماء الإشارة اكتفاء بما تقدمه مما يحصل منه مقصود البيان، فانتصب بلدا مفعولا ثانيا وآمنا نعتا له واسم الإشارة مفعولا أول غير محتاج إلى تابع لقيام ما تقدم مقامه ولو تعرف لفظ بلد بالألف واللام وجرى على اسم الإشارة لم يكن ليحرز بيانا زائدا على ما تحصل مما تقدم بل كان يكون كالتكرار.
فورد الكلام على ما هو أحرز للإيجاز وأبلغ فى المقصود مع حصول ما كانت التبعية تعطيه فجاء على ما يجب
وأما سورة إبراهيم فلم يتقدم فيها ما يقوم لاسم الإشارة مقام التابع النعرف بجنس ما يشار إليه فلم يكن بد من إجراء البلد عليه تابعا له بالألف واللام على المعهود الجارى فى أسماء الإشارة من تعيين جنس المشار إليه باسم جامد فى الغالب عطف بيان على قول الخليل.
أو نعتا على الظاهر من كلام سيبويه، وانتصب اسم الإشارة المتبع على أنه مفعول أول و"آمنا " على أنه مفعول ثان ولم يكن عكس الوارد ليحسن ولا ليناسب وقيل فى الوارد فى سورة البقرة أنه أشار إليه قبل استقراره ﴿بلدا﴾ فأراد اجعل هذا الموضع أو هذا المكان بلدا آمنا واكتفى عن ذكر الموضع بالإشارة إليه
واسم الإشارة على هذا


الصفحة التالية
Icon