بمعروف أو سرحوهن بمعروف " وفى سورة الطلاق: "فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف ".
للسائل أن يسأل عن الفرق بين قوله " أو سرحوهن " وقوله " أو فارقوهن " واختصاص كل من الموضعين بما اختص به من ذلك.
والجواب والله أعلم أن آية البقرة قد اكتنفها النهى عن مضارة النساء وتحريم أخذ شئ منهن ما لم يكن منهن ما يسوغ ذلك من ألا يقيما حدود الله، فلما اكتنفها ما ذكر وأتبع ذلك بالمنع عن عضلهن وتكرر أثناء ذلك ما يفهم الأمر بمجاملتهن والإحسان إليهن حالى الاتصال والانفصال لم يكن ليناسب ما قصد من هذا أن يعبر بلفظ أو فارقوهن لأن لفظ الفراق أقرب إلى الاساءة منه إلى الإحسان فعدل إلى ما يحصل منه المقصود مع تحسين العبارة وهو لفظ التسريح فقال تعالى: " فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف " وليجرى مع ماتقدم من قوله تعالى: "الطلاق مرتان فامساك بمعروف أو تسريح بإحسان "، وقيل هنا "بإحسان " ليناسب ما به تعلق المجرور من قوله "أو تسريح " وقد روعى فى هذه الآى كلها مقصد التلطف وتحسين الحال فى المحبة والافتراق ولما لم يكن فى سورة الطلاق تعرض لعضل ولا ذكر مضارة لم يذكر ورود التعبير بلفظ "أو فارقوهن " عن الانفصال ووقع الاكتفاء فيما يراد من المجاملة فى الحالين بقوله "بمعروف " وبان افتراق القضيتين فى السورتين، وورد كل من العباراتين على ما يجب من المناسبة والله أعلم.
الآية الخامسة والثلاثون قوله تعالى: "ذلك يوعظ به من كان منكم يؤمن بالله واليوم الآخر " وفى سورة الطلاق: "ذلكم يوعظ به من كان يؤمن بالله واليوم الآخر " فقال فى آية البقرة "ذلك " فأفرد الخطاب وقال "منكم " وفى آية الطلاق "ذلكم " بأداة خطاب الجميع ولم يقل "منكم ".
ووجه ذلك والله أعلم: أن آية البقرة ترتبت على تصنيف المضرين بالزوجات واحتيالهم على أخذ أموالهن بغير حق
ألا ترى إلى ما تقدمها من قوله تعالى "ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا " وقوله بعد ذلك "ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا " وقد بالغت الآية فى زجرهم حين قال تعالى "ولا تتخذوا آيات الله هزؤا " وهذا من أشد شئ فى تعنيف المضرين بهن ثم نهى سبحانه عن عضل النساء وهو من فعله من الضرار والاعتداء ومناسب لأخذ أموالهن لأنه


الصفحة التالية
Icon