الآية الموفية أربعين: وهى من تمام ما قبلها
قوله تعالى: "فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء " وفى سورة آل عمران: "ولله ما فى السماوات وما فى الأرض يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء " وفى المائدة قوله تعالى: "وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه قل فلم يعذبكم بذنوبكم بل أنتم بشر ممن خلق يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء " وفى سورة الفتح: "ولله ملك السماوات والأرض يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء " فورد فى هذه الآى الأربع تقديم الغفران وتأخير التعذيب وورد فى سورة المائدة: "ألم تعلم أن الله له ملك السماوات والأرض يعذب من يشاء ويغفر لمن يشاء " بتقديم التعذيب وتأخير المغفرة على خلاف ما ورد فى الآى الأربع المذكورة.
فللسائل أنه يسأل عن ذلك.
والجواب عنه والله أعلم أن هذه الآية لما تقدمها قوله تعالى: "إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون فى الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزى فى الحياة الدنيا ولهم فى الآخرة عذاب عظيم إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن الله غفور رحيم " ثم بعد ذلك قوله تعالى: "والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله والله عزيز حكيم فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه إن الله غفور رحيم "، فقدم فى هاتين القصتين من خبر المحاربين والسارقين أمر تعذيبهم جزاء على فعلهم ثم ذكر المغفرة لهم إن تابوا وأتبع ذلك بقوله تعالى: "ألم تعلم أن الله له ملك السماوات والأرض...
الآية " وبناؤها على ما تقدمها قبلها ويليها كما تبن فقدم ذكر العذاب على المغفرة لمناسبته لما اتصلت به وبقيت عليه.
وأما الآى الأربع فلم يقع قبل شئ منها ذكر الواقع فى سورة المائدة وإنما تقدمها ما يفهم قوة الرجاء لمن أحسن وأناب كقوله تعالى فى آية البقرة: "وإن تبدوا ما فى أنفسكم أو تخفوه " والخطاب للمؤمنين وورد قبل الآية الثانية من الأربع قوله تعالى: "ليس لك من الأمر شئ "، وقبل الثالثة: "وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه "الى قوله تعالى: "بل أنتم بشر ممن خلق "، وفى هذا وإن كان خطابا لأهل الكتابين تنبيه لهم وأنهم إن أسلموا وأنابوا لربهم رجوا عفوه ومغفرته وقبل الآية قوله تعالى: "إن الذين يبايعونك إنما