م قال فى الآية الأخرى بعد: "ويحذركم الله نفسه والله رؤوف بالعباد ".
للسائل أن يسأل عن وجه تعقيب الأولى بقوله: "والى الله المصير " وتعقيب الثانية بقوله: "والله رؤوف بالعباد ".
والجواب عن ذلك والله أعلم أنه لما تقدم قبل الأولى قوله تعالى: "لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين " فنهاهم سبحانه عن ذلك ثم أردف بالتحذير بقوله: "ومن يفعل ذلك فليس من الله فى شئ " ثم استثنى سبحانه من ذلك حال التقاة فقال: "إلا أن تتقوا منهم تقاة " ثم قال: "ويحذركم الله نفسه - أى عذابه - وإلى الله المصير - أى ومرجعكم إليه فلا يفوته هارب فهذا كلام ملتحم جليل النظم والتنضيد ثم أتبع هذا بإعلامه أنه سبحانه لا يخفى عليه شئ مما أكنوه أو أظهروه فقال: "قل إن تخفوا ما فى صدوركم أو تبدوه يعلمه الله ويعلم ما فى السماوات وما فى الأرض والله على كل شئ قدير "، فأعلم فيها بعلمه المحيط بالأشياء والعلم والقدرة هما القاطعان بمنكرى العودة وعلى إنكارهما بنى المنكرون حشر الأجساد شنيع مقالهم وبثباتهما اضمحل باطلهم وقد أشارت هذه الآية العظيمة إلى علمه سبحانه بالجزئيات وقدرته عليها وفى ذلك الشأن كله ولعل الكلام يعود بنا إلى مقصود هذه الآية العظيمة فنبسط من ذلك ما يشفى صدر المؤمن ويقطع بالملحدين وإن كان أئمتنا من أهل الفن الكلامى قد شفوا فى ذلك رضى الله عنهم فعرف سبحانه بالرجوع الأخروى إليه ثم أخبر بأنه لا يغادر من أفعال عباده صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها فقال: "يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا "الآية ثم قال معيدا ومحذرا: "ويحذركم الله نفسه " وأعقب بقوله: "والله رؤوف بالعباد "، لما تقدم من التذكير والوعظ والبيان والتحذير المبنى على واضح الأمر والتبيان وذلك إنعام منه سبحانه وإحسان يستجر خوف المؤمنين العابدين، فناسبه التعقيب بذكر رأفته بعباده رفقا بهم وإنعاما وتلطفا
فقال: "والله رؤوف بالعباد "، ولم يتقدم قبل الأولى ما تقدم قبل هذه متصلا بها وانما تقدمها النهى عن موالاة الكفار والتبرى من مواليهم بالكلية فناسبه ما أعقب به وناسب هذه ما أعقبت به والله أعلم.
الآية الخامسة: قوله تعالى فى قصة زكريا عليه السلام: "أنى يكون لى غلام وقد بلغنى الكبر وامرأتى عاقر " وفى سورة مريم: "أنى يكون لى غلام وكانت امرأتى عاقرا وقد بلغت من الكبر عتيا " للسائل أن يسأل عن اختلاف السياق فى الآيتين مع اتحاد معناهما.