وإبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى وهى من الآيات التى ضل بسببها من ضل من النصارى وحملتهم على قولهم بالتليث تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا، "ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله " فأعلم الله سبحانه وتعالى أن تلك الآيات بإذنه وأكد
ذلك تأكيدا يرفع توهم حول أو قوة لغير الله سبحانه أو استبداد ممن ظنه ونزه نبيه عيسى عليه السلام عن نسبة شئ من ذلك لنفسه مستقلا بإيجاده أو ادعاء فعل شئ إلا بقدرة ربه سبحانه وإذنه وبرأه من شنيع مقالتهم.
ويزيد هذا الغرض بيانا ما أعقبت به هذا الآية من قوله تعالى: "وإذ قال الله يا عيسى بن مريم ءأنت قلت للناس اتخذونى وأمى إلهيين من دون الله...
الآيات " فهل هذا للنصارى إلا أعظم توبيخ وتقريع والمقصود منه جواب عيسى عليه السلام بقوله فى إخبار الله سبحانه عنه: "ما يكون لى أن أقول ما ليس لى بحق " فافتتح بتنزيه ربه ثم نفى عن نفسه ما نسبوا إليه وأتبع بالتبرى والتسليم لربه فقال: "إن كنت قلته فقد علمته " فآية آل عمران بشارة وإخبار لمريم وآية المائدة واردة فيما يقوله سبحانه لعيسى عليه السلام توبيخا للنصارى كما بينا فلما اختلف القصدان اختلفت العبارتان.
الآية الثامنة قوله تعالى: مخبرا عن عيسى عليه السلام: "إن الله ربى وربكم فاعبدوه "، وفى سورة مريم: "وإن الله ربى وربكم فاعبدوه "، فعطف الآية على ما قبلها بواو النسق وفى سورة الزخرف: "إن الله هو ربى وربكم فاعبدوه " بغير حرف النسق مع زيادة الفصل بالضمير من قوله "هو " ولم يقع ذلك فى الآيتين قبل كما لم يقع العطف فى الأولى والثالثة فانفردت كل آية من الثلاث بما وردت عليه مع اتحاد المقصد فيما أعطته كل واحدة منها فللسائل أن يسأل عن ذلك؟
والجواب والله أعلم: أن آية مريم لما تضمنت مقالة عيسى عليه السلام وآية كلامه فى المهد مخبرا عن حاله النبوية وما منحه الله من الخصائص الاصطفائية فقال: "إنى عبد الله آتانى الكتاب وجعلنى نبيا وجعلنى مباركا " إلى ما أعقب به هذا من الخصائص الجليلة منسوقا بعضها على بعض ليبين تعداد تلك النعم إلى قوله: "والسلام على يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا "، فذكر ما حفظ الله عليه من كرامته فى هذه الأحوال الثلاثة البشرية وهى: حال الولادة وحال الموت