الآية العاشرة: قوله تعالى: "كيف يهدى الله قوما كفروا بعد إيمانهم وشهدوا أن الرسول حق "، وفى سورة براءة: "ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم " إن قيل إن الآيتين قد اتفقتا فى أن المذكورين فيهما قد وقع منهما كفر بعد إباحة وإذعان فلم عبر عنه فى آية آل عمران بالإيمان وفى آية التوبة بالاسلام؟
والجواب أن ذلك لاختلاف حال من عنى بهما وقد ذكر المفسرون أن آية آل عمران نزلت فى الحارث بن سويد الأنصارى وكان قد أسلم ثم ارتد ولحق بالكفار ثم ندم فأرسل إلى قومه ليسألوا رسول الله ﷺ هل له من توبة فسألوا فنزلت الآية فكتبوا بها إليه فأسلم وحسن اسلامه ولم يكن فى اسلامه أولا من عرف بنفاق ولا أنه أبطن خلاف ما ظهر منه من اسلامه فكانت حاله حال إيمان وتصديق صحيح لم يظهر خلافه وذلك هو الإيمان فناسب حاله وصفه بالايمان وهو التصدي بالقلب.
أما آية التوبة فنزلت فى الجلاس حين قال فى غزوة تبوك لئن كان ما يقول محمد حقا لنحن شر من الحمر فنمى ذلك إلى رسول الله ﷺ فاستدعاه فحلف ما قال وكان منافقا معروف النفاق يتظاهر بالاسلام ويبطن خلافه فأنزل الله فى قضيته: "يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم " فقيل هنا "بعد إسلامهم " مناسبة للحال إذ الإسلام يقع فى الغالب على الانقياد فى الظاهر وقد لايكون المتصف به مصدقا بقلبه قال تعالى: "قالت الاعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان فى قلوبكم ".
وروى أن الجلاس أسلم بعد ذلك وحسن إسلامه فاختصاص كل آية منها بالوصف الوارد فيها بين لاختلاف الحالين وفى كل من السببين قصة ذكرها المفسرون وأهل السير.
الآية الحادية عشرة: قوله تعالى: "وما ظلمهم الله ولكن كانوا أنفسهم يظلمون "، وفى النحل: "ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ".
للسائل أن يسأل عم ورود كان الناقصة فى آية النحل وعرو آية آل عمران عنها مع اتحاد المعنى المقصود فى الموضعين لاجتماع المذكورين فيهما فى ظلمهم أنفسهم.
والجواب عن ذلك والله أعلم أن آية آل عمران إنما نزلت فى المعاصرين لرسول الله ﷺ الحاضرين عند نزول الآية فورد الاخبار مساوقا لحالهم فى وقت نزول الآية وما يلى ذلك متصلا به من الزمان فلم يكن لدخول كان التى تقتضى وقوع


الصفحة التالية
Icon