الآية السادسة عشرة:
قوله تعالى: "يقولون بأفواههم ما ليس فى قلوبهم " وفى سورة الفتح: "يقولون بألسنتهم ما ليس فى قلوبهم "، للسائل أن يسأل فيقول: إن مقصود الآيتين قد اتحد لأن حاصله التعريف بأن كلا من المذكورين فى الآيتين أظهر خلاف ما أبطن فلم قيل فى الأولى "بأفواههم " وفى الثانية "بألسنتهم " مع اتحاد المعنى؟
والجواب عن ذلك والله أعلم أن قوله فى الأولى "بأفواههم " ينبئ عن مبالغة واستحكام وتمكن فى اعتقاد أو قصد لا يحصل من قوله "بألسنتهم " ألا ترى قولهم: تكلم بملء فيه حين يريدون المبالغة وقال تعالى: "اليوم نختم على أفواههم " والمراد المبالغة فى منعهم من الكلام وإذا ختم على الأفواه امتنعت الألسنة عن النطق وكان أحكم فى المنع ولما كان المراد بالآية الأولى الإخبار عن المنافقين كعبد الله بن أبى وأصحابه ممن استحكم نفاقه وتقرر فقال يوم أحد ما حكى الله تعالى من قولهم فى المخالفين لهم من الأنصار ممن أكرمه الله بالشهادة فى ذلك اليوم: "لو أطاعونا ما قتلوا " إلى ما قالوه من هذا ثم وروا عنه بقولهم لصالحى المؤمنين: "لو نعلم قتالا لاتبعناكم " فأخبر تعالى عنهم بما أكنوه من الكفر فقال تعالى: "هم للكفر يومئذ أقرب منهم للإيمان يقولون بأفواههم ما ليس فى قلوبهم " فناسب الإبلاغ فى قوله تعالى: "بأفواههم " ما انطووا عليه واستحكم فى قلوبهم من الكفر وأما آية الفتح فإخبار عن أعراب ممن قال تعالى فيهم: "قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا " وهؤلاء لم يستقر نفاقهم كالآخرين وإنما أخل بهم قرب عهدهم بالكفر وإن لم يتقرر الإيمان فى قلوبهم لكن لا عن نفاق كنفاق الآخرين قال تعالى مخبرا عن هؤلاء الأعراب: "سيقول لك المخلفون من الأعراب شغلتنا أموالنا وأهلونا فاستغفر لنا " فعن هؤلاء قال تعالى: "يقولون بألسنتهم ما ليس فى قلوبهم "، فعبر بالألسنة إشعارا بأن حال هؤلاء ليس كحال المنافقين المقصودين فى آية آل عمران.
فلاختلاف الطائفتين
اختلفت العبارة عما صدر منهم وورد كل على ما يناسب ولم يكن عكس الوارد ليناسب والله أعلم.
الآية السابعة عشرة:
قوله تعالى: "فإن كذبوك فقد كذب رسل من قبلك جاؤوا بالبينات والزبر والكتاب المنير " وفى سورة الملائكة [فاطر]: "وإن يكذبوك فقد كذبت رسل من قبلك وإلى الله ترجع الأمور "، ورد فى هاتين الآيتين المفعول المقام مقام الفاعل وهو رسل مكسر والاسم المجموع جمع تكسير يجوز فيه التذكير