تحذف تاء التأنيث من فعله غالباً إلا أن يقع فصل نحو قام اليوم هند، وكلما كثر الفصل حسن الحذف، ومن كلامهم حضر القاضي اليوم امرأة، والإثبات مع الحقيقي أولى ما لم يكن جمعاً. وأما التانيث غير الحقيقي فالحذف فيه مع الفصل حسن، قال تعالى: (فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى) (البقرة: ٢٧٥)، وهو كثير، فإن كثر الفصل ازداد حسناً، (ومنه) (وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ)، فالحذف والإثبات هنا جائزان والحذف أحسن، فجاء الفعل في الآية الأولى على الأولى، ثم ورد في قصة شعيب وهي الثانية بإثبات علامة التأنيث على الوجه الثاني، جمعاً بين الوجهين إذ الآيتان في سورة واحدة وتقدمها الأولى على ما ينبغي، والله أعلم. وهذا ما لم يكن الفاعل ضمير مؤنث فله أحكام تخصه.
الآية العاشرة (من سورة هود عليه السلام) قوله تعالى: (أَلَا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلَا بُعْدًا لِثَمُودَ) (هود: ٦٨) وقرئ ثمود في الموضوعين بالوجهين من الصرف وعدمه إلا أن أكثر القراء على الصرف في الأول ومنعه في الثاني، فيترتب على قراءة الأكثرين سؤال وهو لم صرف في الأول في قراءة غير حفص وحمزة ومنع الثاني الصرف في قراءة الجماعة غير الكسائي؟
ووجه ذلك، والله أعلم: التفات شيء في خفاء يراعي مثله وذلك أن الاسم النكرة إذا تكرر وأريد بالثاني الأول ولم يرد غيره لزمت الألف واللام التي للعهد فصار معرفة تقول: رأيت رجلاً فضربت الرجل تريد المذكور ولا تعيده نكرة بوجهه، ولك أن تأتي به مضمراً فتقول رأيت رجلاً فضربته فإذا تكلمت (بهذا) في المعرفة فالأكثر أن تأتي به مضمراً أو موصوفاً كقولك المذكور أو ما لا يخرج عن الأول حتى لا يظن أنك تريد سواه فتقول: رأيت زيداً فكلمته ولقيت عمراً فضربت المذكور أو ضربت عمراً المذكور، والثاني المكرر أبداً إن كان الأول نكرة كان هو معرفة بأداة العهد، وإن كان الأول معرفة كان الثاني أمكن في التعريف إذ قد يدخل الأول اشتراك لوجود أمثله ممن سمّي باسمه، أما الثاني فلا يدخله اشتراك من حيث هو إلا أن يسري له الاشتراك من الأول، (فقد) ثبت على كل حال أنه أبعد من الاشتراك والالتباس من الأول وذلك شفوف له عليه، فكأنه أعرف منه فإذا تكرر غيرر مضمر ولا منعوت وكان علماً مما يجوز في مثله الوجهان من الصرف وعدمه وذلك الثلاثي الساكن الوسط، والعرب قد تصرفه لخفته ومنهم من يمنعه الصرف لوجود علتين ولا يراعى خفته، وقد أنشدوا عليه:
لم تتلفع بفضل مئزرها دعدّ ولم تستق دعدُ في العلبِ
فصرف أولاً ولم يصرف آخر، فإذا كان أكد تعريفاً كان الوجه منع صرفه إشعاراً