وأما الضرب الثاني مما ورد بالواو فلعطف ذلك (على) ما قبله تشريكاً لا سببية فيه ولا معنى جوابيه ولا مقصود تعقيب ولا ربط مقصزدها من المعاني بما قبله سوى التشريك خاصة، ففي سورة الروم ورد متقدماً قبل الآية في قوله تعالى: (أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى) (الروم: ٨)، فعطف على هذه عطف تشريك لا سببية فيه قوله تعالى: (أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ) (الروم: ٩)، فتشاركت الآيتان في الحض على الاعتبار ومقصودهما واحد، فعطفت إحداهما على الأخرى بما يقتضي ذلك وليس إلا الواو، وأما الفاء وثم فلا مدخل لواحدة منهما هنا، والله أعلم.
وأما سورة الملائكة فتقدم فيها قوله: (فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ) (فاطر: ٤٣)، فأحيلوا على ما اطرد في من قبلهم من سنته تعالى فيهم، من أخذهم بتكذيبهم سنة الله التي خلت من قبل، ثم أعقب بإحالتهم على قرب منهم ممن شاهدوا آثاره وتعرفوا على قرب أخباره فقيل: (أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ) (فاطر: ٤٤)، فقوله: (فَهَلْ يَنْظُرُونَ) وقوله: (أَوَلَمْ يَسِيرُوا) مسلك واحد في الاعتبار، فصل لهم بحسب بعد ما أمروا باعتبار حاله (أو قربه)، فعطف أحد السببين على الآخر مع اتحاد النوع المعتبر به، ولا يعطف مثل هذا إلا بالواو خاصة، وما سوى الواو لا يلائم ولا يناس، والله أعلم.
وأما الآية الأولى من سورة المؤمن فملحوظ فيها من نيطت به في معناها من قوله تعالى: (هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقًا وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ) (غافر: ١٣)، وليس بعد هذه الآية من معناها إلا قوله تعالى: (أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ) (غافر: ٢١)، فمن آياتته تعالى التي رآها عباده ما أجراه من سنته فيمن خلا من الأمم، فوقعت الإحالة على ذلك بعطف الآية من قوله: (أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ) على ما به نيطت حسبما تقدم، ولا يناسب ذلك غير الواو.
***