العقول وهو الملائكة والإنس والجن، وهم المقصودون في الآية، فوردت ((بمن)) الواقعة على العقلاء، لهذا قيل: ((طوعاً وكرهاً)) لأن ذلك إنما (يكون) ويستوضح من العاقل، فالآية واردة على ما ينبغي. وأما آية النحل فمراعي فيها لفظ ((دابة)) الوارد فهيا إذ هو عام للعاقل وغيره، فوردت الآية ((بما)) الواقعة على الأنواع والأجناس مناسبة لما تقدم من الإطلاق والعموم.
والجواب عن السؤال الثاني: أن قوله تعالى في آية النحل: ((والملائكة)) تخصيص لهم لجليل حالهم، فعينوا بالذكر مع دخولهم في العموم المتقدم، وهذا كقوله تعالى: (وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ) (البقرة: ٩٨) مع دخولهما تحت لفظ الملائكة. ثم أكد الوارد في آية النحل ما ورد فيها من لفظ دابة.
فإن قلت: لِمَ لَمْ يخصصوا بالذكر في آية الرعد؟ قلت: لأنه لم يقع هناك لفظ دابة الذي هو الموجب لتعيين الملائكة وتخصيصهم بالذك، فكر على ما يجب ويناسب، والله أعلم.
الآية الرابعة من سورة الرعد قوله تعالى: (قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ) (الرعد: ١٦)، وفي سورة الفرقان: (وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ) (الفرقان: ٣)، للسائل أن يسأل عن تقديم النفع على الضر في سورة الرعد وعكس ذلك في سورة الفرقان؟
والجواب عن ذلك، والله أعلم: أن آية الفرقان قد عطف عليها بالواو المشركة في الإعراب والمعنى قوله تعالى: (وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا)، وقدم قبلها ما عطفت عليه بالواو أيضاً وذلك قوله تعالى: (وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ) (الفرقان: ٣)، فقد اتفقت هذه الجمل المعطوفات في انطواء كل جملة منها على متقابلين كالضدين، ففي الأولى عدم الخلق في قوله: (لَا يَخْلُقُونَ) مقابلاً للخلق والحياة، وبنى مجموعها على تأخير أشرف المتقابلين، ففي الأولى الإشارة إلى الخلق في قوله تعال: (وَهُمْ يُخْلَقُونَ)، وكذا في الثانية الضر والنفع والنفع أشرف، وفي الثالثة الموت والحياة والحياة أشرف، فروعي تناسب الآي على ما أوضحنا، فقدم الضر على النفع في آية الفرقان.


الصفحة التالية
Icon