ولما تقدم آية سورة طه قصص موسى، عليه السلام، وما جرى من فتنة قومه بعده بفعل السامري/ وما كان من قول هارون، عليه السلام، وتذكيره إياهم، وقول بني إسرائيل (لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى) (طه: ٩١) إلى قوله: (ذَلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْرًا) (طه: ٩٩)، والمراد به القرآن، ثم أتبع هذا بما يلائمه إلى قوله: (وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا) (طه: ١١٣) أي قصصاً مقروءاً بلسان العرب مذكراً من وفق لاعتباره والاتعاظ به: (لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا) (طه: ١١٣)، فناسب كل من العبارتين موضعه أتم مناسبة، ولم يكن العكس ليناسب، والله أعلم.
الآية الثامنة من سورة الرعد قوله تعالى: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً) (الرعد: ٣٨)، وفي سورة الروم: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ) (الروم: ٤٧) فقد ذكر الرسل على المجرور في سورة الرعد فقيل: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ)، وورد في سورة الروم بتقديم المجرور فقيل: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ)، فللسائل أن يسأل عن وجه ذلك؟ وما روعي فيه؟
والجواب عن ذلك: أن المتقرر في الكتاب العزيز أنه إذا ورد اسم نبينا محمد ﷺ مع غيره من الرسل، عليهم السلام، مفصحاً بأسمائهم في آية واحدة فإنه يتقدن اسمه ظاهراً كان أو مضمراً، ثم يذكر بعده من تضمنته الآية منهم، عليه السلام، كقوله تعال: (إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ) (النساء: ١٦٣)، وقوله تعالى: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ.... ) (الأحزاب: ٧) الآية، فإن قيل: فقد قدم هنا قبله قوله: (مِنَ النَّبِيِّينَ) قلت: المجموع جمع السلامة بالواو والنون رفعاً والياء والنون نصباً وجراً من ألفاظ العموم عند الأصوليين، فقوله: (مِنَ النَّبِيِّينَ) يعم نبينا ﷺ وغيره من النبيين، عليهم لسلام، (ثم) لما أفصح بمن ذكر في الآية من أولي العزم إشعاراً بتفضيلهم على من سواهم بدئ به، عليه السلام، فقيل: (مِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ) (الأحزاب: ٧).... الآية، ومثل هذا قوله تعالى: (مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ) (البقرة: ٩٨) ثم قال: (وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ) وقد دخلا تحت عموم (وملائكته)، مع أن لفظ النبيين بالألف واللام أوضح في العموم إذ ليس المضاف في العموم كالمعرف بالألف واللام، فأقول: إنما قدم المجرور في قوله: (مِنْ قَبْلِكَ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ) (الروم: ٤٧) في سورة الروم لمكان ضميره صلى الله