النحل لم يرد فيها ذكر هذه الاستراحة فقيل هنا: (مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ) (النحل: ٧٩)، وتناسب ذلك وامتنع عكس الوارد بما تبين، والله أعلم.
الآية الثالثة عشر: غ - قوله تعالى: (وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا ثُمَّ لَا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ) (النحل: ٨٤)، وفي آية سادسة من هذه: (وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلَاءِ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ) (النحل: ٨٩)، ففي الأولى (مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ) وفي الثانية (فِي كُلِّ أُمَّةٍ)، وفي الأولى: (شَهِيدًا ثُمَّ لَا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا) وفي الثانية: (شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلَاءِ)، فللسائل أن يسأل عن موجب الاختلاف في الآيتين؟
واعلم أن الآية الأولى متفق فيها على أن المراد بها الأنبياء، عليهم السلام، مع أممهم، وكل نبي شاهد على أمته ولها بإيمان مؤمنها وكفر كافرها، ولم يختلف المفسرون في هذا، وإنما السؤال في الآية الثانية لاختلافهم فيها، فأكثر المفسرين لم يفرق بينها وبين الأولى فيما قصد بها، وأن نبينا محمداً ﷺ شاهد على أمته كشهدة الرسل على أممهم، ثم إن هذه تضمنت زائداً على ذلك حسبما نبينه، وأشار بعضهم إلى الفرق بين الآيتين من غير تحرير ولا ركون إلى توجيه يعتمد، فأقول - وأسأل الله توفيقه: إن هذه الآية لثانية المراد بها تخصيص نبينا محمد ﷺ بالإفصاح فيها - ما شاركت فيه الأولى - بما منح من الكتاب العزيز وعظيم النعمة عليه وعلى أمته، فاتسؤنف وقوله تعالى: (وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا). وكرر ليبنى عليه ما بعد من قوله: (وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلَاءِ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ... ) الآية، فهذا من قبيل قوله تعالى: (وَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْبًا) (الأعراف: ٩٠)، وقد تقدم هذا قوله تعالى: (قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ) (الأعراف: ٨٨)، فكرر: (قَالَ الْمَلَأُ) ليبني عليه ما اتصل به، ونحو هذا قوله تعالى: (وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) (البقرة: ١٥٠)، وقد تقدم أمره عليه السلام، (بهذا) إلا أنه أعيد ليبنى عليه ما بعد من قوله تعالى: (وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ) (البقرة: ١٥٠) ليفهم وحيث ما كنتم من البلاد أو المواضع التي خرجتم إليها، ولم تكن الآية المتقدمة لتعطي ذلك إلا باعتماد من غير تحرير، فلم يكن بد من إعادة ما ذكر ليتحرر المعنى المراد من الآية، وقد مر بيان ذلك في سورة البقرة عند ذكر الآية المشار إليها. ومن نحو هذا في الإخبار قوله تعالى: (أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرَابًا