وَعِظَامًا أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ) (المؤمنون: ٣٥)، فكرر (أنكم) ليبنى عليه (الخبر) بالإعادة والإخراج بما بعد من قوله في أول الآية: (إنكم)، وهو مرتكب بليغ متكرر في الكتاب العزيز، فكذا الوارد في هذه الآية من قوله تعالى: (وَيَوْمَ نَبْعَثُ)، تكرر لعظيم ما بني عليه وقصد الإخبار والبشارة من قوله تعالى: (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ) (النحل: ٨٩). فلما بين هذا الإنعام العظيم وبين الحاصل طي الآية المتقدمة من مخوف الوعيد، أعقب به التعريف فيها بالشهادة، من قوله تعالى: (ثُمَّ لَا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ) (النحل: ٨٤)، إلى ما تلا هذا.
فالآيتان فيما أعقبتا به، وأنيط بكل واحدة منها، معرفتان بالحال في الطرفين، الأولى معقب فيها التخويف والتهديد بأشد الوعيد، والثانية أعقب مخوف تهديدها بترجي السلامة من مهول وعيدها بما اتبعت به، مما يفهم البشارة والتلطف والإنعام بقوله تعالى: (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ) (النحل: ٨٩). بعد ذكر نبينا عليه السلام. المراد بهذا الخطاب التعريف بشهادته لأمته مفصحاً بالإشارة إليه تخويفاً وتعظيماً، وبالإنعام بما أولاه ومنح أمته من الرحمة بالكتاب المهيمن على سواه من الكتب والمبين لك شيء والهدى والرحمة والبشرى، أوزعنا الله شكر نعمه، وجعلنا من أمة هذا النبي الكريم بمنه.
ولما كان قوله تعالى: (وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلَاءِ) (النحل: ٨٩) حاصلاً منه تعقيبه، عليه السلام، وتحقيق كونه الشهيد على أمته، وكونه من أنفسنا ورد ما قبله محرراً فيه ذلك الغرض من تحقيق ذلك الحكم، من أن كل نبي قبله إنما كان من أنفس القوم المرسل إليهم ذلك الرسول لا من غيرهم، وهو الشهيد عليهم، وحقق ذلك في الثانية بما يحرزه حررف الوعاء الذي هو ((في)) ويقتضيه من استحكام الإخبار بكون الشهيد من نفس الأمة، لأن قوله: (مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ) يحتمل أن يراد به أن يكون منهم في مذهب أو جامع بينهم وبينه، من غير أن يكون من أنفسهم، أما قوله: (فِي كُلِّ أُمَّةٍ) فأنص في الاتصال واللزوق، لاسيما بما اتبع به من قوله: (مِنْ أَنْفُسِهِمْ)، فطوبق بين المتقابلين من قوله: (وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ) (النحل: ٨٩) وقوله: (وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلَاءِ) (الحل: ٨٩)، فقد وضح ما باينت هذه الآية (به الآية)، وبانت جلالة هذا النظم العجيب، وأن ما توهم تكراره ليس بتكرار، إذا كان مقصود ما أعيد مما (تقدم) ذكره الشهيد لما بني عليه. فتحصل من هذه الآية العظيمة جليل الاعتناء بهذا النبي الكريم


الصفحة التالية
Icon