وصف حال الكافر المنكر للبعث الوارد في كل واحدة منهما في قوله: (وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً) (الكهف: ٣٦، فصلت: ٥٠)، إن آية الكهف منهما أقوى تعريفاً ببعد الكافر المضروب به المثل عن حال الإيمان. وأما آية السجدة فصالحة لاتصاف الكافر والمؤمن بحال المفتتحة بها من قوله: (لَا يَسْأَمُ الْإِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ) (فصلت: ٤٩)، من حيث إن هذا الوصف وصف يعم المؤمن والكافر، ولهذا قال ابن عطية بعد أن ذر أن المراد بها الوليد بن المغيرة أو عتبة بن ربيعة: فإن أكثرها يعطي أن الآية نزلت في كفار، ثم قال: وإن تضمن أولها خلقاً ربما يشارك فيه بعض المؤمنين، فحصل من كلامه أن هذا التعريف بحال المضروب به المثل في هذه الآية أرجأ من حال المضروب به المثل في آية الكهف، ألا ترى أن آية الكهف لا يكاد شيء من كلمها يجري في وصف المؤمنين، ألا ترى ابتداء مطلع وصف المذكور فيها مخبراً عنه بقوله: (وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ) (الكهف: ٣٥)، وبقوله: (مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا * وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً) (الكهف: ٣٥ - ٣٦)، ثم حكم لنفسه بعد إنكاره العبث باستحقاق ما عجل له من جعل الجنتين كما وصفتا، فقال: (وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا) (الكهف: ٣٦)، فتأمل ما بين هذه الكلم الواردة في وصف هذا الكافر والوادة في قوله في آية سورة السجدة (لَا يَسْأَمُ الْإِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ) (فصلت: ٤٩)، أي من أن يدعو بالخير لنفسه ويستزيد منه، وهذه صفة توجد في المؤمنين، وبها افتتح الوصف المضروب به المثل في هذه الآية، ثم قال بعدما ذكر من كلامه: (وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى) (فصلت: ٥٠)، فقوله: (إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى) ليس في موازنة قول الآخر في آية الكهف: (لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا) (الكهف: ٣٦) وإن خفي ما بينهما. فلما افترقت الآيتان فيما ذكر، ناسب آية الكهف قوله: (وَلَئِنْ رُدِدْتُ)، لما يشعر لفظ رددت ويحتمله من القهر والتعنيف وقوعاً أكثرياً لا بالوضع، بخلاف لفظ رجع إذا قلت منه: رجعته أو رجع فإنه لا يحتمل ولا يفهم من معنى القهر والتعنيف ما يحتمله ردّ، ألا ترى وروده في مثل قوله: (ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا) (الكهف: ٨٧)، وقوله: (ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ) (التوبة: ٩٤)، وقوله بعد: (وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ) (التوبة: ١٠٥)، وفي الصحيح قوله ﷺ في الشيطان حين تعرض (له) في صلاته، قال صلى الله عليه وسلم: (فرده الله خاسئاً)، ففي كثرة ورود هذا حيث يراد هذا المعنى أدل دليل على ما أشير إليه. أما رجع وما تصرف منه فقل ما يرد لهذا، وإن ورد فليس ككثرة رد. فأما قوله تعالى: (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ)


الصفحة التالية
Icon