طه فمقاطع آيها لازمة الألف المقصورة وعلى ذلك أي السور كلها، وأما النمل والقصص فقد اكتنف الواقع في آي هذه القصة فيها ما مقطعه النون الواقع قبلها الياء والواو الساكنتان بحسب ما تقدمهما من حركتي الضمة والكسرة. فإن قلت: إن السورتين مستويتان في هذا فما الفارق؟ قلت: الإيجاز والطول، أما سورة النمل فأوجز في هذا المقصد، وأما سورة القصص فإن خبر موسى، عليه السلام، فيها يكاد يستغرق آيها كلها، فناسبه طول الوارد فيها مما فيه الكلام، وذلك غير خاف. وتأمل الوارد في سورة طه من قوله تعالى مخبراً عن نبيه موسى، عليه السلام، من قوله: (أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى)، ومناسبة ذلك لما بنيت عليه سورة طه من تأنيس نبينا صلى الله عليه وسلم، وافتتاحها بقوله تعالى: (مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى) (طه: ٢)، يلح لك التلاؤم والتناسب، وقد وضح أن كل ما في كل سورة من السور الثلاث من هذه القصة لا يلائم غيرها، وأن كل قصة منها لا يحسن وقوعها في موضع الآخر لعدم المناسبة وبعد التلاؤم، والله أعلم.
الآية الثانية من سورة طه - قوله تعالى: (إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا) (طه: ١٥)، وفي سورة غافر: (إِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا) (غافر: ٥٩)، للسائل أن يسأل عن تخصيص آية طه بقوله في وصف الساعة: (أَكَادُ أُخْفِيهَا) ووصفها في سورة غافر بقوله: (لَا رَيْبَ فِيهَا)؟ فهذان سؤالان.
والجواب عن الأول منهما: أن آية طه خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، يتضمن تأنيسه وتسليته عن حال كفار قريش في (توقفهم عن) الإيمان، فافتتحت السورة بأجل التأنيس وهو قوله تعالى مبشراً لنبيه، عليه السلام، مقسماً على ذلك: (مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى) (طه: ٢)، ثم تابع التعريف بتعظيم الكتاب، وذكر منزلته سبحانه وتعالى بما انفرد فيه من ملك السماوات والأرض وما بينهما وما تحت الثرى، ووصفه بأنه يعلم السر وأخفى، وانفراده بأسمائه الحسنى، ثم عرف نبيه ﷺ بابتداء (أمر) موسى، عليه السلام، (إلى قوله): (إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا) (طه: ١٥) تعريفاً بعظيم خفاء أمر الساعة وتغيب كنهها عن الخلق حتى كأن أمرها لم يخبر عنه ولا وقع تعريف بشيء منه، فهو إخبار بفرط إخفاء أمرها، وذلك إعلام بوصف وحال من قد تقرر بوقوعها يقينه، وانطوى على علم كيانها إيمانه، ولما كان هذا الخطاب والتعريف لمن جرى ذكره من تنزهه ﷺ عن الارتياب في أمر الساعة، لم يحتج إلى نفي الريب، إذ مقام النبوى في الإيمان بها المقام الذي لا يداني، فلم يكن نفي الارتياب ليلائم ولا يناسب، وإنما عرفوا بحال وصف تابع.


الصفحة التالية
Icon