الآية الثامنة من سورة الأنبياء قوله تعالى: (إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ * وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ) (الأنبياء: ٩٢ - ٩٣)، وفي سورة المؤمنون: (وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ * فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) (المؤمنون: ٥٢ - ٥٣)، للسائل أن يسأل عن قوله في الأولى: (فَاعْبُدُونِ) وفي الثانية: (فَاتَّقُونِ)؟ وفي الأولى: (وَتَقَطَّعُوا) وفي الثانية (فَتَقَطَّعُوا)؟ وفيها أيضاً: (زُبُرًا) ولم يرد في الأولى؟ وأتبعت الأولى بقوله: (كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ) والثانية بقوله: (كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ)؟ فهذه أربعة مواضع مما يسأل عنها؟
فأقول تمهيداً للجواب: الأمة هنا الملة، وقوله: (إِنَّ هَذِهِ) إشارة إلى ملة الإسلام، قال الزمخشري: أي ملة الإسلام هي ملتكم التي يجب أن تكونوا عليها، لا تنحرفون عنها، ملة واحدة وغير مختلفة، وأنا إلهكم إله واحد فاعبدون، والخطاب للناس كافة، قال: والأصل وتقطعتم إلا أن الكلام صرف إلى الغيبة على طريقة الالتفات، كأنه ينفي عنهم ما أسمدوه، ويقبح عندهم فعله، ويقول لهم: ألا ترون إلى عظيم ما ارتكب هؤلاء في دين الله، قال والمعنى جعلوا أمر دينهم فيما بينهم قطعاً كما تتوزع الجماعة الشيء ويقتسمونه فيصير لهذا نصيب ولذالك نصيب، تمثيلاً لاختلافهم فيه وصيرورتهم فرقاً وأحزاباً شتى، ثم توعدهم بأن هؤلاء الفرق المختلفة إليه يرجعون، فهو يحاسبهم ويجازيهم، هذا معنى كلامه.
ونرجع إلى الجواب (فنقول: الجواب) عن الأول أن سورة الأنبياء لم يرد فيها ذكر لفظ التقوى في أمر ولا خبر من أولها إلى آخرها، وورد الأمر بالعبادة في قوله: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ) (الأنبياء: ٢٥). وأما سورة المؤمنون فتكرر فيها ذكر التقوى في ثلاثة مواضع، أولها - قوله تعالى: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ) (المؤمنون: ٢٣)، وفي ما بعد الآية المتكلم فيها (قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ) (المؤمنون: ٨٧)، فروعي في الأولى ما تقدمها، ونوسب بالثانية ما اكتنفها، وأيضاً فإن العبادة مأمور بها ليحصل الاتقاء، فهي مقدمة في الطلب لتحصيل ما يتسبب عنها إذا كانت الإجابة، وعلى ذلك ورد دعاء الخلق، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (البقرة: ٢١)، وفي سورة المؤمنون المذكورة: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا